بريد حلوان
العدد 215 | 04 تموز 2017
هيثم عبد الشافي


فى أسبوع واحد تربك هند ونور ووفاء ومدام سعاد، أمل هي الأخرى سمعتها منذ يومين وأنا أنظف زجاج الباب الخارجي تطلب فوطة من فتاة جديدة انضمت للعمل يناير الماضي، لكن اعتذرت، تقريبا كانت آخر واحدة معها.

أنت الوحيدة التي لا أعرف موعد دورتها الشهرية، لا تزعجيني بأكياس وردية صغيرة مخبأة بين عشرات المناديل في سلة الحمام.. لم أجد لك واحدة وأنا أعدها آخر النهار قبل أن أجمع السلات الصغيرة في أكياس سوداء وأحملها لسيارة الحي، دائما تمرين هادئة كخبر خفيف أو مقدمة كتاب ممتعة تمنحني سعادة تكفي لآخر النهار.

لك عندي 3 وردات قديمة، و5 قطرات في زجاجة برفان، وقلم روج، بني تقريباً، وعلبة ساعتك الأخيرة، أنا لن أردها إليك سامحيني، الوردات ذبلت في فازة المكتب، وسرقتها، وزجاجة البرفان أنت بنفسك قلت القها يا “ياسين” في سلة الحمام مع قلم الروج، أما علبة الساعة لو سألتني عنها مرة أخرى سأكذب مجددا، وأقول لم أرها، وأسألك عن شكلها ولونها، وفي النهاية سأعدك أن أردها لو أحدهم سلمها للأمانات.

أسرقك بكل حب، متعتي القراءة وسرقتك، ومن مكاني أمام الحمام أراقب مكتبك الصغير، وأعد الورق والمناديل والأقلام التي تلقيها في سلتك، وأنتظر نهاية اليوم وأنظفه 3 مرات، وأجمع السلة في حقيبتي داخل المخزن بعيداً عن كاميرات المراقبة.

معي كل مسودات موضوعاتك، أعلقها في غرفة الأطفال، وأنتظرك وأنتظرهم، كل الأشياء التي أحبها أتركها هنا، صور لك مع سياسي في حوار قديم، وأخرى من تكريم نقابة الصحفيين، وثالثة ورابعة وخامسة لأطفال يضحكون أبكي أمامهم كل ليلة، وأصنع لهم من أوراقك القديمة وأقلامك الفارغة مراكب شراعية ولعباً صغيرة.

زوجتي سألتني عنك، أمس، ليس أمس فقط، هي لا تعرفك، ترى اسمك على الموضوعات التي أحتفظ بها في جيب قميصي، وقالت لأمها ولجارتنا، ياسين مجنون، يلم ورق الجورنال في جيوبه، ويقص أسماء المحررين ويلصقها على السرير ومرآة الحمام. سامحيها هي لا تعرف أن الحياة في بيتنا لم تكتمل إلا بك، وأن لا حياة في الجورنال يوم إجازتك.. دائماً مشغولة بموضوعاتك واسمك، والحمد لله بدأت تنسى سؤالها المتكرر عن زيارتي لدكتور عماد لتحديد موعد العملية الجديدة.. أي عملية بالضبط، أي أطفال تنتظرها مني، أنا لا أنجب، والعمليات خربت بيتي وذلتني، وراتب مكتب البريد يذهب كل شهر لقرض العملية الأخيرة، ونعيش أنا وهي وأمها بملاليم الجورنال.

في النهار أجهز طلبات الطوابع في مكتب بريد حلوان، وأجلس في مكتب بمفردي، الساعي يقدم الشاي وعامل النظافة يهتم بالمكتب والأوراق، ولي هاتف خاص، وألبس قميصاً ياقته نظيفة، وفي المساء كما ترين الآن، قميصاً أزرق، اسمه قميص عمال النظافة، أمسح أرجل مكتبك وكراسي المحررين وأنظف المرايا، وأنفذ طلبات مدير التحرير التي لا تنتهي وتعليمات مشرفنا، وألم مناديلاً وفوطاً وردية ملطخة بالدماء في أكياس سوداء تحملها سيارات الحي قبل نهاية اليوم.. هل ترضين على واحد مثلي كل هذا الألم؟

تعرفين زحام إعلانات التخفيضات على الزجاج الخارجي لفروع “التوحيد والنور” في موسم المدارس؟ الأفكار في رأسي الآن مثلها تماماً، لا مكان أصلاً لغيرك، أفكر في موضوعك الجديد، وشكل ملابسك في الشتاء المقبل، وماذا ستفطرين غداً، وهل سترسلين خالد كالعادة لشراء النسكافيه أم ستفكرين في تغييره ولو مرة واحدة، أنا أحب وجهك في المساء، أحب كلماتك الأولى وطريقتك في قراءة الجورنال، حتى سجائرك جربتها، وأحتفظ بعلبتين فارغتين من “الميريت الأصفر” وسط أوراقك في المنزل. خالد سيمرض غداً، يا رب لا تمرضه، أنا آسف يا خالد، لكن أنت لا تأخذ إجازة، وتضيع علي كل الفرص، وفوق هذا كله معك رقم هاتفها يا غبي ولا تسمع صوتها مرتين كل يوم.

*****

خاص بأوكسجين


قاص وصحافي من مصر.