انفتاحٌ على احتمالين
العدد 199 | 24 أيلول 2016
فاطمة عاصلة


أنا انفتاحٌ على احتمالين:

أنْ لا يوقظ الشتاءُ فيّ العناصرَ

لا ينزّ حُزنِي

ولا يدّل على فرحٍ مُفاقَم.

وإلّا فلا يضرُ اللهَ أنْ يُطيلَ الشتاءَ أكثر.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين

(لو أمكن):

صوتُ الأولاد من بعيد؛

ألا يُرَدَّ إلى أذني سائلًا

حامضًا مثل رعشة

حلوًا مثل دمعة.

وإلّا فليخلقهُمُ الرّبُ كبارًا منذ بداية خلقهم.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين

(لو أتمكّن):

أنً لا تفتك الرائحةُ بهذا الفتك

أن لا بلحظة أهَزُّ. 

أو أن يكون للرائحة تجريدٌ

مثل لا شيء،

إطلاقًا.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين

لا أكثرَ:

أن أرى الأزرقَ مثل صبغةٍ صفراءَ مصنعةٍ

أو أنْ لا أميزُهُ بين الألوان بشيء.

 

أنا انفتاح على احتمالين

-ولربما أكثر-

ألّا أجد الازهار في الصباح،

ولا أتنبّه للورد عند المساء.

وإلّا فلتكن كلُّ الأزهارِ

زهرةً واحدةً لا أطيقها؛

زهرةٌ مصنعةٌ

لا حسَّ تُطلقَهُ.

 

أنا انفتاح على احتمالين:

أنْ لا يكون الحضورُ والغيابُ

مقطوعاتٌ متناوبةٌ على العرض.

وإلا فلأراهُمُ على جهة واحدة.

 

أنا انفتاح على احتمالين

-لا غير-:

أن يكون رأسي تفاحةٌ تالفة

يسقط بعد لحظة
(كل لحظة تقريبًا).

أو أكون يا ربُّ

أكثرَ بلاهةً وأشدَّ سُخفًا.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين

-لو أستطع-:

أن لا أنظر تحت السطح بأكثرِ من ثلاثة سانتيمتراتٍ.

او أن تتجردَ الأشكالُ من عمقها

والمعاني.

 

أنا انفتاح على احتمالين

(كم سأحبهما):

ألّا تعني لي الدائرةُ

سوى أنّها أسهلُ للرسمِ على الورقة

من المربع أو المسدس مثلًا.

أو ألّا يتصوّرَ لي

كلُّ شيء، أيُّ شيء، دائرةً؛

ألّا تفضي كلّ المعاني نحو التدوّر

ولا تتمثل بالتكوّر.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين:

ألّا يكونَ الضوءُ عندي لذةٌ

وزاوية السقوط فكرة مغريةٌ

مثل حساب زاوية الانعكاس.

أو يا ربّ استعض عن الضوء بالعتمة

فإن العتمة لن تكونَ لا مطلقٌ

ولا امتدادٌ.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين:

أن أمقتُّ القهوةَ لطعمِها المرُّ.

وإلّا فليكن لها حسّ الشربِ لا غير

أو شعور تناول الطعام.

 

أنا انفتاح على احتمالين:

أن يُجعلَ خطُّ قلمي أجملُ قليلًا،

أو إلّا يحظى بكل هذه التعليقات

فهذا يذكرني بإني أكتبُ

أحيانًا.

 

لا احتمالات هنا:

لا يعنيني امرأةً في الستينِ تجلس على كرسيّ وحيد،

كما لا يعنيني تخيّلكَ بقربي في هذا العمر

تمسّكُ بيدي وتبتسمُ ساخرًا
 من قصر العمر.

ثم تنظر لحبنا على أنّه كان إجازةً أبديةً من العمر

(اهٍ لو أمكن ألّا يعنيني كل هذا).

 

لا احتمالات هنا:

أنا لا أعير الوقت معنىً

ولا أنتبه لفداحةِ التوقيتِ

وحسم أثر الفراشةِ.

أنا لا أستشعر أصًلا أثرَ الفراشةِ.

ولا أستبدلُ السيناريوهات أو أعدّ السُبلَ.

لا احتمالات هنا،

لكن لو أمكن أن يكون كلّ هذا صحيحًا

لكنت لا أعير الاحتمالات أيّ اهتمام،

سوف لن يكون ثمةَ احتمالاتٍ؛

لا احتمالات

لا ألفاظ تَخزُنِي

(خفةً أو ثقلًا)

ومعظم الكلمات لا تثير فيّ ذاكرةً أو حبًا أو شجنًا أو حنينًا.

ولا حنينٌ.

هو احتمالٌ وحيدٌ لو كان،

أو ما كان غيّرهُ

لما كانت هذه الكتابةُ تَشهدُنِي.

 

أتخيل أنَّ الحنينَ لا يعنيني

أو أنّي لا أميزه

أو أنَّ الحنينَ احتمالٌ لا يتحقق.

 

لا احتمالات هنا

انا لا أحبّ الماءَ

ولا أحسّ الماءَ

ولا الألوان توجعني.

(لو أكذب؛

لو كذبةٌ أنّ “كلَّ الكونِ ماءٌ يصبُّ على جسدي”)

 

أنا انفتاح على احتمالين:

ألّا تضربّ فيّ الموسيقى بهذا العمق.

أو أن تكونَ مجرد نوتاتٍ مكتوبةٍ على ورقةِ

 أعلّقها على حائطٍ لا أراه

وينتهي الأمر.

 

أنا انفتاحٌ على احتمالين:

أن تكونَ الأمورُ كلّها بسيطةٌ فعلًا.

أو أن لا أقوى على التراكيبِ

أو على حلّ الترابطَ الضمنيّ والشكليّ

أو عدمه،

ولا أقدر على حمل الخيوط؛

لا عدّها ولا عقدها

ثم افلاتها فيما بعد.

“أنا كذلك فعلًا،

إنّ الامور-كلّها-بسيطة لهذا الحدّ”.

 

انا انفتاحٌ على احتمالين:

أن أخاف الخوف،

والوجل،

ولا أهاب شيء

وأن أكرّه السقطة الخفيفة في القلب هذه

لأي عارض.

وإلًا فلا يَبعثَ فيَّ كلُّ ذلك اللذةَ والفرحَ.

 

ليس احتمالًا؛

إنّي أحبّ السقوطَ والتدرّجَ

ولا أحبّ المطلقَ ولم أجده يومًا.

لا بداية أو نهاية لأراها
أتيقّنُ التبدّلَ

وأتحرّاهُ،

غير أنّي لا أشيرُ للمصير.ِ

والاحتسابُ يغيظُني

 لكنّه قَدَرٌ.

وأرى الاحتمالاتَ

أينما حلَّ كونٌ

وأينما حَللتُ.

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من فلسطين