امبرتو ايكو: قد يوّلد الإبداع واقعاً 2- 2
العدد 189 | 27 نيسان 2016
ترجمة عزة حسون


كيف تبدأ البحث في رواياتك؟

بالنسبة لرواية “اسم الوردة” بدأ الأمر مع بداية اهتمامي بالعصور الوسطى. كان لدي المئات من الملفات ولم تأخذ مني سوى سنتين في كتابتها. أمّا رواية “بندول فوكو” فقد تطلب الأمر ثماني سنوات من البحث والكتابة. وبما أنني لا أخبر أحدًا بما أفعله يخيل إلي الآن أنني عشت في عالمي الخاص لعقد من الزمن تقريبًا. كنت أمشي في الشارع وأشاهد تلك السيارة وتلك الشجرة وأقول لنفسي إنّ ما أراه قد يكون مرتبطًا بقصتي. ولذلك كبرت قصتي شيئًا فشيئًا ومن كل شيء قمت به،كل تفصيل حياتي وكل حديث كنت أستقي منه الأفكار. ثم زرت الأماكن الحقيقية التي كتبت عنها في فرنسا والبرتغال حيث عاش فرسان الهيكل.

هل كتبت بطريقة ممنهجة؟

لا فكل فكرة تستدعي أخرى. وعندما أقرأ كتابًا عشوائيًا أشعر برغبة في قراءة كتاب آخر. وحدث كثيرًا أثناء قراءتي لوثائق عديمة الجدوى أن تأتيني الفكرة المناسبة  لمتابعة القصة أو أمرر فكرة صغيرة بين مجموعة الأفكار.

لقد قلت إنّك أثناء كتابة الرواية عليك أن تخلق عالمًا وعندئذ “تأتي الكلمات لوحدها.” هل تعني بهذا أن أسلوب الرواية يحدده موضوعها؟

أجل. أعتقد أنّ المسألة الأساسية هي بناء العالم الذي قد يكون كنيسة مليئة بكهنة مسجونين في القرن الرابع عشر أو شاب يعزف البوق في مقبرة أو القبض على محتال في القسطنطينية. ثم تبدأ بعد بناء العالم بالبحث وهذا يعني وضع كل الضوابط التي تنظم هذه العوالم كعدد الدرجات في سلم حلزوني أو عدد الأغراض على قائمة الغسيل أو عدد الرفاق في رحلة ما. ثم ستلتف اللغة حول هذه الضوابط. أعتقد أننا غالبًا ما نقع في خطأ الاعتقاد أنّ الأسلوب مرتبط بالنحو والمفردات. هناك أيضًا الأسلوب السردي الذي يملي علينا كيفية ترتيب أجزاء معينة وبناء موقف ما. فلنأخذ على سبيل المثال تقنية (flashback)”الفلاش باك” وهي عنصر بنيوي في الأسلوب ولكنه غير مرتبط باللغة، وهذا يعني أنّ الأسلوب أكثر تعقيدًا من مجرد كتابة. أعتقد أنّه أشبه بالمونتاج في الأفلام.

كم تبذل من الجهد حتى تصل إلى النتيجة المطلوبة؟

أكتب الصفحة الواحدة لمرات عديدة. أحيانًا أحب قراءة المقاطع بصوت عالٍ. أنا حساس كثيراً فيما يخص أسلوب كتابتي.

عندما يكتب فلوبير يشعر بالألم حتى عند كتابة الجمل الجيدة؟ هل تشعر بذلك؟

لا ليس مؤلمًا. أكتب الجملة عينها عدة مرّات ولكنني الآن أستخدم الكومبيوتر وبالتالي تغيرت العملية. كتبت رواية “اسم الوردة” بخط يدي وتكفلت سكرتيرتي بطباعتها على الآلة الكاتبة. عندما تعيد كتابة الجملة عشرات المرات من الصعب حقًا اعادة نسخها. كنا نستخدم قاعدة حقيقية من الكربون  وعملنا أيضًا باستخدام المقص والصمغ. أمّا باستخدام الكومبيوتر من السهل جدًا مراجعة الصفحة عشر مرات أو عشرين مرة وتصحيحها واعادة كتابتها في يوم واحد. أعتقد أننا بطبيعتنا لا نسعد بما نفعله. ولكنّ تصحيح العمل أصبح أكثر سهولة وربما سهلًا جدًا. وهذا يعني أننا أصبحنا أكثر تطلبًا.

الروايات التثقيفية تتضمن بعض التثقيف العاطفي والجنسي. في كل رواياتك لم تصف سوى فعلين جنسيين، الأول في “اسم الوردة” والثاني في “بودولينو”. هل هناك من سبب لذلك؟

أعتقد أنني أفضل ممارسة الجنس على الكتابة عنه.

لمَ يقتبس أدسو من أغنية الأغاني (Song of Songs) عندما يمارس الجنس مع الفلّاحة في “اسم الوردة”؟

كان ذلك الاقتباس لغاية الترفيه فأنا غير مهتم بالفعل الجنسي بقدر اهتمامي بوصف الكيفية التي سيختبر كاهن شاب الجنس من خلال حساسيته الثقافية. لذلك وضعت مجموعة من النصوص الصوفية التي تصف نشوتهما وأضفت إليها مقاطع من أغنية الأغاني. خلال الصفحتين التي أصف فيهما فعله الجنسي بالكاد توجد أي كلمة تخصني. لا يستطيع أدسو فهم الجنس إلا من خلال الثقافة التي تشربها. هذا مثال على الأسلوب كما أعرّفه.

متى تكتب خلال النهار؟

لا توجد قواعد في هذا الأمر. من الصعب حقًا أن أجدول عملي. أحيانًا أبدأ الكتابة في السابعة صباحًا وأنتهي عند الثالثة متوقفًا فقط لتناول شطيرة. أحيانًا لا أشعر بالرغبة بالكتابة أبدًا.

عندما تكتب كم تكتب؟ هل هناك قاعدة لذلك أيضًا؟

لا فالكتابة لا تعني بالضرورة وضع الكلمات على صفحة ورق. أستطيع كتابة فصل كامل أثناء المشي أو تناول الطعام.

إذن كل يوم يختلف عن سابقه؟

عندما أكون في منزلي الريفي على قمة هضبة مونتفيلترو لدي روتين خاص. أشغل الكومبيوتر وأراجع الايميلات وأبدأ ببعض القراءة ثم أكتب حتى بعد الظهر. في وقت لاحق أذهب إلى القرية أتناول كأسًا في البار وأقرأ الصحيفة. ثمّ أعود إلى المنزل وأشاهد التلفاز أو الفيديو في المساء حتى الساعة الحادية عشر ثمّ أعمل قليلًا حتى الواحدة أو الثانية صباحًا. هناك لدي روتين لأنّه ما من أحد يقاطعني أمّا في ميلان أو الجامعة لا أملك وقتي لأن هناك من يحدد لي برنامجي على الدوام.

ماهي المخاوف التي تنتابك عندما تكتب؟

ليس لدي أي مخاوف.

لا تملك مخاوف. إذا أنت فقط تتحمس جدًا؟

أكون سعيدًا جدًا عندما أجلس للكتابة.

ما هو سر الانتاج الغزيز كانتاجك؟ فقد كتبت كمية كبيرة من الأعمال البحثية ورواياتك الخمس ليست بالقصيرة.

لطالما قلت أنني أستطيع استغلال الفواصل. هناك الكثير من المساحة الفاصلة بين ذرة وأخرى وإلكترون وآخر. إن اختصرنا المادة في الكون من خلال إزالة كل المسافات الفاصلة يمكن ضغط الكون إلى كرة. حيواتنا مليئة بالفواصل،. هذا الصباح عندما قرعت الجرس وانتظرت المصعد ومرت بضع ثوانٍ قبل أن تصل إلى الباب. خلال هذه الثواني التي انتظرتك فيها كنت أفكر بشيء أكتبه. أستطيع العمل في المرحاض والقطار وحتى خلال السباحة في البحر على وجه الخصوص أفكر بأمور كثيرة وحتى في حوض الاستحمام أعمل وإن كان بشكل أقل من البقية.

هل هناك أوقات لا تعمل أبدًا؟

لا. لا يحدث هذا. حسنًا أجل  حدث هذا ليومين عندما خضعت لجراحة.

ماهي أعظم الملذات التي تتمتع بها حاليًا؟

قراءة الروايات في الليل. أتساءل أحيانًا وبما أنني كاثوليكي متمرد إن كان لا يزال ذلك الصوت في رأسي يهمس لي بأنّ قراءة الروايات ممتع أكثر خلال الليل.  وهذا يعني أنني أكرس النهار للمقالات والعمل الجدي.

ماذا عن الملذات التي تشعرك بالذنب؟

إنّه ليس اعترافًا ولكن أتمتع بالويسكي. كنت أدخن ولكن توقفت منذ ثلاث سنوات. كنت أدخن حوالي ستين سيجارة يوميًا. كنت أدخن الغليون لذلك كنت معتادًا على نفث الدخان بينما أكتب. لم أستنشق الكثير.

تعرضت للنقد بسبب المعارف الكثيرة التي تعرضها في أعمالك. ويذهب أحد النُقاد إلى القول بأنّ الجاذبية الأساسية لأعمالك بالنسبة للقارئ العادي هي شعوره بالإذلال على جهله وهذا يظهر على شكل تقدير ساذج لألعابك الاستعراضية.

هل أنا سادي؟ لا أعلم. استعراضي؟ ربما. إنني أمزح فأنا لست كذلك أبدًا. لم أعمل طول حياتي بكل هذا الجهد حتى أكدّس المعرفة أمام القرّاء. فالمعرفة التي أقدمها مرتبطة تمامًا بالتركيبة الدقيقة لرواياتي لذلك فالأمر يرجع إلى القارئ ليقف على ما يريد.

هل تعتقد بأن نجاحك الهائل كروائي غيّر تصورك حول دور القارئ؟

كنت أكاديميًا لوقت طويل وعندما بدأت كتابة الروايات بدا الأمر وكأنني كنت ناقدًا مسرحيًا لفترة طويلة ثم على حين غرة وقفت على المسرح وحدق نحوي زملائي السابقين من الناقدين. كان الأمر مربكًا في البداية.

 لكن هل غيرت كتابة الروايات فكرتك عن حجم التأثير الذي يملك الروائي على القارئ؟

 لطالما افترضت أنّ الكتاب الجيد أذكى بكثير من كاتبه ويحوي أمورًا قد لا يعيها الكاتب.

هل تعتقد بأنّ وضعك الراهن كروائي يحقق أفضل المبيعات قد انتقص من سمعتك كمفكر مهم حول العالم؟

منذ صدور رواياتي تلقيت خمسًا وثلاثين شهادة فخرية من جامعات عالمية. وأفهم من هذه الحقيقة أنّ الجواب على سؤالك سيكون لا. في الوسط الجامعي كان الاستاذة مهتمون بالانتقال بين السرد والنظرية. وغالبًا ما اكتشفوا الصلات بين جانبي عملي التي كانت أكثر مما اعتقد بوجودها. إن أردت يمكنني اطلاعك على كامل المنشورات الأكاديمية حولي. علاوة على ذلك لا زلت أكتب المقالات، فأنا أعيش كأستاذ يكتب الروايات في نهايات الأسبوع بدلًا من أن أعيش حياة كاتب يُدّرس في الجامعة. أذهب إلى حلقات بحث علمية أكثر مما أذهب إلى مؤتمرات أدبية. في الحقيقة يمكنك قول العكس، ربما تستطيع القول إن عملي الأكاديمي أثرّ على اعتباري كاتبًا في وسائل الإعلام الشعبية.

سببت لك الكنيسة الكاثوليكية الكثير من المتاعب من كل بد. ووصفت جريدة الفاتيكان رواية “بندول فوكو” بأنها ” مليئة بالتجديف والهرطقات والترهات والقذارة التي يجمعها مع بعضها البعض الجهل والسخرية”.

الأمر الغريب أنني تلقيت مؤخرًا شهادة فخرية من جامعتين كاثوليكيتين، “جامعة ليوفين” و”جامعة ليويولا”

هل تؤمن بالله؟

 قد يحب المرء شخصًا معينًا لوقت ما ثم يكتشف في وقت آخر أنّ الحب قد انتهى؟ يا للحسرة فالمشاعر تختفي دون سبب وغالبًا دون أثر.

 إن كنت لا تؤمن بالله فلماذا كتبت كل هذا القدر عن الدين؟

لأنني أؤمن بالدين، فالكائنات البشرية كائنات دينية ولا يمكن تجاهل أو رفض هذه السمة المميزة في السلوك البشري.

أنت باحث وروائي لكن هناك شخص ثالث يحاول أن يناور ليحصل على مكان. إنّه المترجم فيك، فأنت مترجم مشهور وقد كتبت الكثير عن ألغاز الترجمة.

 لقد حررت الكثير من الترجمات وترجمت عملين كاملين وتُرجمت رواياتي إلى العديد من اللغات. وقد اكتشفت أنّ كل ترجمة حالة تفاوض. إن أردت أن تبيعني شيئًا ما فإننا سنتفاوض، فأنت ستخسر شيئًا وأنا سأخسر شيئًا ولكن في نهاية الأمر سنكون راضين كثيرًا أو قليلًا. في الترجمة لا يتعلق الأسلوب بالمفردات التي تستطيع ترجمتها باستخدام مواقع الإنترنت بل يتعلق الأمر بالإيقاع. أجرى باحثون اختبارات على تواتر المفردات في رواية مانزوني “المخطوبة” وهي إحدى التحف الأدبية الايطالية من القرن التاسع عشر. كان مانزوني فقيرًا بمفرداته ولم يبتكر أي استعارات أدبية جديدة واستخدم صفة “جيد” كثيرًا جدًا، ولكن أسلوبه كان مذهلًا وصافٍ وبسيط. وككل الأعمال المترجمة العظيمة إن ترجمنا عمله سيتطلب الأمر استحضار روح عالمه ونفسه وايقاعه الصحيح.

إلى أي درجة تتدخل بترجمة أعمالك؟

 أقرأ الترجمات في كل اللغات التي أعرفها. وغالبًا ما أكون سعيدًا لأنني أعمل مع المترجمين وأنا محظوظ لأنني عملت مع المترجمين نفسهم طول حياتي. نتعاون حاليًا بشيء من التفاهم المتبادل. أعمل أحيانًا مع مترجمين في لغات أخرى لا أعرفها كاليابانية والروسية والهنغارية. إنهم أذكياء حقًا فهم قادرون على شرح المشكلات الحقيقية في لغاتهم ولذلك فنحن نناقش كيفية حلها.

هل يقدم لك مترجم جيد اقتراحًا يفتح لك الباب على احتمالات لم ترها من قبل في النص الأصلي؟

 أجل يحدث هذا. أكرر لك بأنّ النص أذكى من كاتبه. فقد يقدم النص أحيانًا أفكارًا لم تخطر على بال الكاتب ولذلك عندما ينقل المترجم النص من لغة إلى أخرى فإنه يكتشف هذه الأفكار ويطلعني عليها.

هل لديك الوقت لقراءة روايات معاصريك؟

 ليس كثيرًا فمنذ أصبحت روائيًا اكتشفت بأنني متحيز. أي أنني إمّا أعتقد بأنّ الرواية الجديدة أسوأ من روايتي أو لا أحب العمل أو أشك بأنّه أفضل من عملي ولا أحبه.

ما رأيك بوضع الأدب الايطالي في الوقت الراهن؟ هل هناك أدباء ايطاليون عظماء لم نسمع عنهم في أمريكا؟

 لا أعلم إن كان هناك أدباء عظماء ولكننا طورنا الروائيين المتوسطي المستوى. وقوة الأدب الأمريكي لا ترتكز فقط على وجود فوكنر أو همنغواي  أو بيلو بل على وجود كُتّاب متوسطي المستوى ممن سينتجون أدبًا تجاريًا محترمًا. يتطلب هذا الأدب مهارة جيدة خاصة في مجال الأدب البوليسي الخصب الذي أعتبره مقياسًا للإنتاج في أي بلد. ووجود جيش من الكُتّاب العاديين يعني أنّ أمريكا تنتج مادة كافية لإرضاء حاجات القارئ الأمريكي ولذلك الترجمة هناك ضعيفة. أمّا في ايطاليا كان هذا النوع من الأدب غائبًا لوقت طويل، أمّا الآن فهناك على الأقل مجموعة من الكُتاب الشباب ممن يكتبون هذا النوع. لست مثقفًا متعجرفًا وأعتبر هذا النوع من الأدب جزءًا من الثقافة الأدبية لأي بلد.

ولكن لما لا نسمع عن كُتّاب ايطاليين؟ فأنت الكاتب الايطالي الوحيد المعروف عالميًا وعلى نطاق واسع في الوقت الراهن.

 الترجمة هي السبب ففي ايطاليا تشكل الأعمال المترجمة أكثر من عشرين بالمئة من الأعمال الموجودة في السوق أمّا في أمريكا تبلغ النسبة اثنان بالمئة.

يقول نابوكوف: “أقسم الأدب إلى فئتين: الكتب التي أتمنى كتابتها والكتب التي كتبتها.”

حسنًا أعتقد أنني سأضع في الفئة الأولى أعمال كيرت فونغنت (Kurt Vonnegut) دون ديليللو (Don DeLillo) وفيليب روث(Philip Roth) وبول أوستر (Paul Auster). بالعموم أحب الكُتاب الأمريكيين المعاصرين أكثر مما أحب الفرنسيين على الرغم من أنّ ثقافتي فرنسية لأسباب جغرافية فقد ولدت بالقرب من الحدود واللغة الفرنسية كانت أول لغة درستها وربما لدي اطلاع كبير على الأدب الفرنسي أكبر منه على الأدب الايطالي.

هل يمكنك تسمية بعض الشخصيات الأدبية التي أثرت عليك؟

 عادة أقول أن جويس وبورخيس لهما تأثير علي حتى يبقى من يحاورني هادئًا ولكن هذا ليس صحيحًا بالمطلق. فكل شخصية أدبية لها تأثير علي بما في ذلك جويس وبورخيس ولكن هناك أيضًا  أرسطو وتوماس الإكويني وجون لوك وغيرهم.

تعد مكتبتك هنا في ميلان أسطورة بحد ذاتها. ما هي الكتب التي تحب جمعها؟

 أملك حوالي خمسين ألف كتاب. ولكن كجامع كتب نادرة تسحرني النزعة البشرية نحو الفكر الغريب لذلك أجمع الكتب في مواضيع لا أؤمن بها كالكابالا والخيمياء والسحر واللغات المُختلقة والكتب التي تكذب وإن كان بطريقة غير ذكية. لدي كتب لبطليموس وليس لغاليلو. أفضّل العلوم المجنونة.

لديك الكثير من المجلدات فمتى تذهب إلى رف الكتب وكيف تقرر الكتاب الذي تختاره للقراءة؟

 لا أذهب إلى المكتبة لاختيار كتاب بل أذهب إليها لآخذ كتاب أحتاجه في لحظة بعينها. لذلك فالأمر مختلف. على سبيل المثال لو سألتني عن الكُتّاب المعاصرين سأنظر إلى مجموعتي من روايات روث أو دليللو لأتذكر بالضبط ما أحبّ. أنا باحث وبالتالي يجب علي بطريقة ما القول بأنني لا أختار بحرية. أنا فقط أتبع متطلبات العمل الذي أقوم به في أي وقت.

هل تمنح الكتب؟

 أتلقى كميات هائلة من الكتب يوميًا. هناك الروايات والاصدارات الجديدة من كتب أملكها ولذلك أقوم كل أسبوع بملئ بعض الصناديق وأرسلها إلى الجامعة حيث يضعونها هناك على طاولة كبيرة تحمل لافتة تقول خذ كتابًا واهرب.

تعد من بين أشهر المثقفين المشهورين عالميًا. كيف تُعرّف مصطلح “المثقف”؟ هل لا يزال يحتفظ بمعنى خاص؟

إن كنت تعني بالمفكر من يعمل باستخدام رأسه وليس يديه عندئذ يصبح موظف البنك مفكرًا ومايكل أنجلو غير مفكر. يستخدم الجميع حاليًا الحواسيب إذن الجميع مفكرين. لذلك لا أعتقد أن هذا المصطلح مرتبط بمهنة المرء أو طبقته الاجتماعية. بالنسبة لي من ينتج بإبداع معارف جديدة فهو مفكر. فالفلاح الذي يفهم بأنّ نوعًا جديدًا من الطعوم قد ينتج أنواعًا جديدة من التفاح فهو في تلك اللحظة قد قام بنشاط فكري بينما أستاذ الجامعة الذي يعيد طوال الوقت المحاضرة عينها عن هيدغر لا يرقى إلى صفة مفكر. لذلك فالإبداع النقدي