اليد الملعونة
العدد 219 | 30 أيلول 2017
أسماء القناص


منذ سنوات وأنا أبحث عن أي سبب يقودني إلى قطع يدي اليمنى، ولا أبالغ إن قلت إنني أقضي من ست إلى ثماني ساعات يوميا أتأمل يدي. أحس أنها من جذورٍ شريرة، جزء منفصل عن جسدي لا ينتمي إليّ، أخاف أن تنفرد بي ليلا، أن أسهو عنها للحظة واحدة، أو أن تغفل عيني وأنام سويعاتٍ فتمتد هذه اليد الملعونة إلى عنقي وتخنقني. 

في بداية الأمر، تنشقت رائحةً مريعةً تنبعث منها، ولاحظت أنها متعرقة وباردة لسببٍ غير مفهوم، حتى أن لونها مريب جدًا، أغمق بدرجتين من لون جسدي كله -يمكنني أن أكشف لك جسدي حتى ترى بأم عينك عزيزي القارئ- من ثم بدأت ألحظ تصرفات هذه اليد المجنونة: مرة حاولت فقأ عيني، وهي دائمة العبث بأنفي في الاجتماعات، لا تلمس أحدًا، ولا تمد يدًا للسلام، وهل ذكرت أنها كادت تتسبب بمقتلي مرة! لقد طعنتني بآلة حادة في معدتي، وهذا لا يعد انتحارًا أو اختيارًا؛ لأنني غير قادرٍ على السيطرة عليها، هي ليست مني ولا أنا منها.

 ولك أن تتخيل في مواعيدي الحميمية ماذا تفعل هذه الملعونة على الفراش، ما من امرأة أكملت معي أكثر من ليلة واحدة، حين تكون في الفراش مع امرأة كل ما تطلبه هو أن تمسك بزمام نفسك، لكنها لا تستجيب لي بأي شيء، في موعدي الأخير صفعتْ امرأتي بقوة، ثم عجنتْ ثديها وكادت أن تقطع حلمتها الغامقة. 

تصور أني لا أخرج من المنزل إلا وقد أوثقت رباطها، فهي مسعورة مثل كلب تخاف أن يهرب بعيدًا، أو وضعتها بين غصنين يلتف عليهما حبل مربوط بإحكام إلى جسدي. 

لقد تجرأتُ مرة على كسرها، امتد الألم الذي شعرتْ به إلى جسدي أيضا، أحسستُ لأول مرة أنني كسرت جزءا مني، لكن هذا الشعور لم يدم لفترة طويلة، ولعدة أشهر استطعت حبسها في جبيرة، لكنها بعد كل هذا تماثلت للشفاء وعادت إلى ما كانت عليه. 

أنا غير قادر على ترويضها، إنها حقودة وحسودة، وهي من تحاول قتلي باستمرار. أستطيع القول إنني أمضيت عمري كله في محاولة إقناع أمي بأنها إن وجدتني مُلقىً على الأرض جثة هامدة، عليها أن تبحث عن السلاح أولا: إن كان المسدس في اليد اليسرى فهذا يعد انتحارًا، ولكن إن وجدته في اليد اليمنى فهذا لا يعني إلا أنني قُتلت، وأن القاتل يجب أن يحاسب على فعلته التي اقترفها.

استيقظتُ اليوم وأنا أشعر برغبة شديدة بغرس خنجر فيها أو حرقها وأكلها بعد ذلك، لم أعد احتمل ما تسبب لي من إذلال، وبعد تفكير طويل وخطة مدروسة تآمرت عليها أنا وبقية أعضائي من دون أن تشعر حتى، أخذتُ الـفأس المُلقى في مزرعة جدي وبضربة واحدة قطعتها، انتفضت كظبية مذبوحة، تناثر الدم على وجهي، وعنقي، وصدري، أما أنا فقد ارتحت إلى الأبد..

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من السعودية.