I
أَعْمَالُ الْمُسُوخْ
مَا مِنْ مَخْلُوقٍ رَأَى حُزْنَ الشَّجَرَةِ،
إِلَّا وَحَمَلَ النَّارَ بِعِيْدَاً عَنِ الْغَابَةْ.
لَكِنَّ مُسُوخَاً وَلَدَتْهُمْ أًمَّهَاتِهِمْ فِي جِرَارٍ سُوْدَاءَ،
نَزَلُوا إِلَى الْمُدِنِ،
وَأَضْرَمُوا النَّارَ فِي الْأَسِرَّةِ.
مُسُوخٌ بِعُيُونٍ ابْيَضَّتْ.
كَانُوا مُزَارِعِينَ فِي جِبَالٍ عَالِيَةٍ،
مَلَأُوُا الْحَاوِيَاتِ ببرادةِ الْحَدِيدِ وَكُسُورِ الزَّجَاجِ،
وَدَحْرَجُوهَا
مِنْ قِمَمٍ جَرْدَاءْ.
وَفِي الْأَعْصَارِ،
فِي أَوْقَاتِ الْقَيْلُولَةِ،
لَمَّا تَسْتَرخِيَ الْأَرْضُ وَتَمْرَحُ النَّسَائِمُ فِي جَنَبَاتِ الْحُقُولِ،
يَطُوفُونَ بِأَحْذِيَتِهِمُ الْمُوحِلَةِ جَنَبَاتِ السَّمَاءِ،
وَيَجُزُّونَ الْغُيُومَ بِالْمَنَاجِلِ،
ثُمَّ يَجْمَعُونَهَا،
هِيَ والْجَمَاجِمَ،
تَحْتَ الْمَطَارِقِ،
فِي قُبُورٍ تَرْتَجِفْ.
مَا مِنْ مَخْلُوقٍ مَرَّ مِنْ هُنَا إِلَّا وَسَمِعَ بُكَاءَ الْأَسِرَّةِ،
وَنَشِيجَ الْمَلَابِسِ،
وَهَمْسَ الْأَشْبَاحْ.
II
هَشِيمْ
أَمْشِي مَعَ الْبَرْقِ فِي هَشِيمِ الْأَرْضِ،
وَأَهْوِي مَعَ الْأَرْضِ فِي مَا تَزَلَّقَ مِنْ كُسُورِ الْأَرْضْ،
لَا وَجْهَ لِيْ
وَلَا عَابِرينَ لِأَقْرَأَ وَجْهِيَ بَيْنَ الْوُجُوهْ.
أَهْوِي وَرَاءَ صَوْتِيْ
وَأَنْهَضُ
وَلِي عَيْنَانَ حَجَرِيَّتَانِ …
إِلَهِي
مَنْ شَقَّقَ مَرْمَر عَيْنَيَّ وَأَعْطَانِيَ هَذِهِ الصُّوْرَةَ!
لَمْ أَكُنْ لَمْحَةً مِنْ خَيَالِ شَخْصٍ عَرَفْتُ،
وَلَا شَبَحَاً هَامَ عَلَى السُّوْرِ حَتَّى تَهَشَّمَ هُوَ وَالسُّورُ فِي صَيْحَةِ الْبَرْقِ
لِأَهْتِفَ هَذَا أَنَا..
هَلْ كُنْتُ أُشْبِهُ نَفْسِيْ؟
أَمْ أَنَّني ظِلُّ شَخْصٍ ولِدَ في سُمَيْسَاطَ على الفُراتِ الأَعْلى
وعاشَ في المَعَرَّةِ
ودُفِنَ رافينا؟
كُلُّ مَا عَرَفْتُ أَنَّنِي نِمْتُ وَرَأَيْتُ نَجْمَتِيْ فِي صَقِيْعِ الْغَابَةِ
فَحْمَةً جَارِحَةً ..
والشُّعَاعُ الَّذِي اخْتَطَفَ بَصِيْرَتِيْ
مُزَقَاً رَأَيْتُهُ فِي هَشِيمِ الْأَرْضْ.
III
الصراط المشتعل
أَنْهَضُ مِنْ رُقَادِيَ،
وَأَقِفُ فِي الْمِرْآةِ.
مَنْ دَفَنَنِي هُنَا،
وَتَرَكَنِي
فِي
لُجَّةٍ
بِلَا بُوصَلَةٍ، وَلَا دَلِيلٍ سِوَى ذَلِكَ الضَّوءُ الشَّاحِبُ فِي شِقِّ النَّافِذَةِ؟
هَل أُشْبِهُ أَلِيْعَازَرْ؟
كَمْ مَرَّةً نِمْتُ وَآسْتَيْقَظْتُ،
وَنِمْتُ
وَآسْتَيْقَظْتُ،
حَتَّى لَكَأَنَّ رُقَادِيَ سَرِيرٌ مِنَ الشَّوكِ،
وَأَنَا،
صَخْرةٌ تَتَدَحْرَجُ فِي وَادِ سَحِيقٍ،
وَلَا تَصِلُ إِلَى أَرْضٍ!
الْأَمْوَاهُ تُقَلِّبُنِي،
كَمْ سَاعَةً نِمْتُ،
كَمْ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي الْهَارِبِينَ،
وَكَمْ يَوْمَاً مِنْ أَيَّامِ الْمَحَكُومِينَ بِالسَّلاسِلْ؟
أَنَا الْخَارِجُ مِنَ الْكَهْفِ،
لَمْ أَتْرُكْ فِي الْمَدِيْنَةِ بَابَاً لَمْ أَطْرُقْ.
أَهُزُّ الْأَطْفَالَ فِي أَسِرَّتِهِم، لِيَنْهَضُوا وَيَتَعَرَّفُوا عَلَيَّ،
أَنَا أَلِيْعَازَرُ الْهَائِمُ فِي دِمِشْقَ؛
تَرَكْتُ ظِلِّيَ فِي الشَّاِرعِ الْمُسْتَقِيم*؛
ظِلِّيَ مُعْجِزَتِي لِحَائِكِينَ وَدَّعُوا بِالدُّمُوعِ دُوْدَةَ الْقَزِّ، وَعَكَفُوا عَلَى الْكِتَّانِ يَنْسُجُونَ الْأَكْفَانَ لِفِتْيَانٍ مَهَرَةٍ أَقَامُوا الْمَكَايِيلَ فِي صَيْدَا، وَصُورَ، وَطَرَابُلْسَ، وعَكَّا، عَلَى مَرْأَىً مِنْ بَنَادِقَةٍ، وَجَنَوِيِّين حَاذِقِينَ!
تَنَافَسُوا،
وَآشْتَعَلَتْ فِي أَبْصَارِهِمْ أَمْوَاجُ الْحَرِيرْ!
فِتْيَانٌ يَتَمَدَّدُونَ الْآنَ صَرْعَى عَلَى صِرَاطٍ يَتَلَأْلَأُ بِدِمَائِهِمْ،
وَآبَاءٌ يَتَفَحَّصُونَ الْجِرَاحَ فِي الْأَبْدَانِ،
وَمُنْشِدَاتٌ عَلَى أَطْلَالٍ مُحْتَرِقَةٍ،
وَبُكَاءُ أَشْجَارِ صَغِيْرَةٍ،
وَنَحِيْبُ سَوَاقٍ:
يَا رَائِحِينَ إِلَى دِمَشْقْ،
هَاتُوا دِمَشْقَ بِهَمْسَةِ اْلِمْندِيْلْ،
هَاتُوا اْلقَمَرْ بِالْمِكْحَلَةْ،
والشَّمْسْ بِالْقِنْدِيلْ.
أَنَا أَلِيْعَازَرُ..
الْهَائِمُ بِقَدَمَينِ مُجَرَّحَتَينِ عَلَى صُخُورٍ ابْتَلَعَتْهَا الْأَمْوَاجُ،
فِي لُجَجٍ تُبْرِقُ،
رَأَيْتُ الْخُطْوَةَ الْغَرِيقَةَ،
وَالْفَادِيَ،
رَأَيْتُهُ مُسَجَّىً،
وَعَرَائِسُ الْبَحْرِ هَائِمَاتٌ بِهَالَتِهِ.
II
عَلَى الصِّراط الْوَرْدِيِّ أَعُودُ؛
لَا كِلَابَ تُطَارِدُ الْعَجَلَةَ،
وَلَا أَنْيَابَ تَغُوصُ فِي لَحْمِ الْأُفْقِ.
بياتريس، هَلْ قُلْتُ لَكِ أَيْنَ كُنْتُ؟
مَرَرْتُ بِشُبَّانٍ طَافُوا عَلَى حَقَائِبَ طَافَتْ عَلَى حُطَامِ زَوَارِقَ فِي نَهْرٍ مُضْطَرِبٍ وَفِي إِثْرِهَمُ فَتَيَاتٌ طَائِشَاتٌ عَلَى الْمَاءِ وَلَهُنَّ أَجْنِحَةُ فَرَاشَاتٍ تَحْتَرق.
رَأَيْتُ الْجِبَالَ تَتَهَدَّمُ،
وَرَائِيَ،
وَالظُّلُمَاتِ،
تَلْتَهِمُ الْهَاوِيَةْ.
هَلْ قَالَ لَكِ الْبَرْقُ مَا لَمْ تَقُلِ الْكَلِمَاتُ؟
نِمْتُ عِنْدَ صَخْرَةٍ،
وَرَأَيْتُ كَلِمَاتي لَكِ حَبْلَاً مِنَ الدَّانْتِيلَّا الطَّائِشَةِ فِي الْمَطَرْ،
وَلَمَّا نَهَضْتُ رَأَيْتُ الْكَهْفَ يَبْكِيَ،
وَلَمْ أَجِدْ صَاحِبِي،
وَرَأَيْتُ الْقِيْعَانَ تَتَهَاوَى بِالصَّارِخِينَ،
وَلَمْ يَبْقَ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ مَا أَرَاهُ بَعْدَ مُدُنِيَ الْمُحْتَرِقَةِ الَّتِي رَأَيْتُ،
سِوَى اللَّعَنَاتْ.
ولَيْسَ لِقَدَمَيَّ الْمُهَشَّمَتَينِ، بَعْدَ الْآنِ، سِوَى هَذَا الصّراطِ المَدِيدُ مِنَ اللَّهَبْ.
III
أَنَا أَلِيْعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ خَرَجْتُ مِنْ بَابِ الْفَرَادِيسِ وَوَجَدْتُ الْجِنَانَ تَحْتَرِقْ.
وَفِي دُخَانِ الْحَرَائِقِ،
وَرَمَادِ الْأَشْجَارِ،
عَلَى ضِفَافٍ تَناهَشَتْهَا ضِبَاعٌ مُرَقَّطَةٌ،
تاه مُرْشدي،
ورأيتُ دَارْيُوسَ* الْهَارِبَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ يُطِيْلُ السِّلْسِلَةَ الفارسيَّةَ لِلْفَرْغَلِ السُّوريِّ الْأَعْمَى
تَحْتَ سَمَاوَاتٍ آدْلَهَمَّتْ كَصَفِيحٍ نَابِحٍ،
وطَافَتْ بِهَا طُيُورٌ بِأَنْيَابَ زَاعِقَةٍ،
طُيُورٌ
تَنْقَضُّ،
وَتَنْهَشُ الْإِسْفَلْتَ!
هَلْ قُلْتُ بِالْإِيْمَاءَةِ مَا أَرْعَبَ الْكَلِمَاتِ،
وَأَوْحَشَ الْمُتَكَلِّمَ؟
هَلْ قُلْتُ ما لَمْ أَقُلْ أَبداً؟!
أَنَا أَلِيْعَازَرُ الطَّارِقُ بَابَ الْقِيَامَةْ.
IV
أَهَذَا هُوَ جَبَلُ الْفَلَّاحِ الَّذِي شَجَّ رَأْسَ الرَّاعِي،
والَّذِي مِنْ صُلْبِهِ تَحَدَّرَ التَّاجِرُ،
وَالصَّيْرَفِيُّ،
واللَّاعِبُ بِالسَّيْفِ؟
يَا لَهُ مِنْ جَبَلٍ مُوْحِشٍ
لَا يُقِيمُ فِيْهِ طَائِرٌ،
وَلَا تَنْبُتُ فِي عَطَشِهِ سِوَى الشَّقَائِقُ
لَاهِبَةً،
وَلَا تُرْسِلُ مَغَاوِرُهُ الْمُرَوَّعَةُ بِالْأَمْوَاهِ
بَعْدَ
الْأَمْوَاهِ،
سِوَى حُطَامِ التَّأَوُّهَات.
عَلَى قِمَمِهِ يَلْهُوَ الْغُبَارُ،
وَالرِّيْحُ تَعْبَثُ بِالْحُطَامْ.
وَعَلى الْمُنْحَدَرَاتِ الشَّائِكَةِ حَيْثُ آنْهَمَرَتِ الْأَجْسَادُ عَلَى الْأَجْسَادِ وَسُمِعَتِ الصَّرَخَاتُ، تَلْهَثُ الشَّمْسُ، وبِلِسَانِهَا الْمُحْتَرقِ، تَلْحَسُ عِظَامَ الْهَالِكِينْ.
الرَّعْدَةُ تَدُبُّ فِي أَوْصَالِ الصُّخُورِ،
الرَّعْدَة تَقْصِمُ ظَهْرَ الْجَبَلِ،
وَالْحِجَارَةُ الْعَمْيَاءُ تَسَّاقَطُ عَلَى الْبُيُوتِ وَالْأَسْوَاق.
أَهَذِهِ إِرَمُ؟!
وَهَذَا الْجَبَلُ، أَهُوَ قَاسيُونْ؟!
أَنَا
أَلِيْعَازَرُ
الْمُعَلَّقُ فِي مِرْآةٍ تَحْتَرِقْ.
V
أَقِفُ فِي الْمِرْآةِ، وَلَا أَرَى وَجْهِي!
هَلَّا خَرَجْتِ لِي مِنْ غَيْبِ الصِّوَرِ،
وَكُنْتِ شَفِيْعَتِي؛
لِيُمْكِنَنَي النُّزُولَ مِنْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ المُشْتَعِل،
مَاهِراً،
كَمَا يَفْعَلُ الرِّيَاضِيُّ فِي الْأُولِمبْيَادِ الْأَثِينِيِّ،
وَأَجْلِسُ عَلَى حَجَرٍ فِي الْمَدِيْنَةِ،
لِأَرْوِي لِلدَّمَاشِقَةِ، وَهُمْ يَكِيْلُونَ الْحَرِير بِالْأَشْبَارِ خَاطِفِينَ أَبْصَارَ الْجَنَوِيِّين وألْبَابَ الْبَنَادِقَةِ وَقُلُوبَ الْقَبَارِصَةِ وَدَهْشَةَ الْكِريتِيِّينَ وَخَيَالَ الْقُرْطَاجِيِّينَ، وَأَرْوِي لِلتُّركِ وَالْأَلْبَانِ وَالْخَزَرِ وَحَتَّى الصَّقَالِبَةِ الَّذِينَ وَصَلُوا مِنْ أَقَاصِي الشَّمَال، وَرُسُلِ إِلِيْزَابِيثِ الْقَادِمِينَ مِنْ بَحْرِ الظُّلُمَاتِ لِيَعُودُا إِلَى وِندْسُورْ وَيُضِيْئُوا السَّنَةَ بِفُسْتَانِهَا الدِّمَشْقِيِّ؟
وَفِي الْخُلَاصَةِ،
بَعْدَ الْجَحِيمِ، والْجَحِيمِ، وَالْجَحِيْمِ،
بَعْدَ الرَّمَادِ فِي الْآنِيَةِ،
أَأَنَا أَنَا؛
أَمْ أَنَّنِي
وَهْمُ صَاحِبي الَّذِي لَمْ يَصِلْ،
وَظِلِّيَ الَّذِي أَهْدَيْتُ لِلطَّريْقِ؟
وَمَا الْفَرْقُ، لَوْ كَانَ يُقَاسُ بِالْأَشْبَارِ، بَيْنَ إِيْثَاكَا، وَرَافِيْنَا، وَدِمَشْقُ الَّتِي تَحْتَرِقْ؟!
صَوْتٌ:
لِمَ تَرَكْتَنِي هُنَا يَا لُوقْيَانُوس؟!
لِمَ تَرَكْتَنِي مُسْتَلْقِيَاً
عِنْدَ
تِلْكَ
الصَّخْرَةِ،
وَفِي رَاحَتيَّ المهَشَّمَتَيْنِ تَلْهُو شَقَائِقُ النُّعْمَانِ،
وَيَصْطَفِقُ الْهَوَاءْ؟
IV
احْتِفَالٌ بَهِيمِيٌّ
فَلْنَمْضِ، إِذَنْ، أَنَا وَأَنْتَ، فِي هَذَا الْمَسَاءِ الدِّمَشْقِيِّ
شَبَحَانِ غَرِيبَانِ،
يَهْبِطَانِ الْجَبَلَ؛
“هَابِيلُ” الَّذِي قُتِلَ وَ”قَابِيلُ” الَّذِي قَتلْ.
وَفِي السُوقِ المُسْتَقِيمِ،
حَيْثُ يَتَدَلَّى الضَّوءُ، مَعَ الْمَلَابِسِ،
بِأَبْوابَ حَوانِيتَ كَئِيْبَةٍ،
وَتَفِرُّ الْحَمَائِمُ بِأَجْنِحَتِهَا الْمُلَطَّخَةِ بِالسُّخَامْ،
وَتَغِلُ
فِي الضَّوْءِ الْكَابِيْ؛
فَلْنَقِفْ هُنَاكَ وَنَتَفَرَّجُ كَمَا لَوْ كُنَّا سُيَّاحَاً عَابِرِينَ
وَلَمْ نَكُنْ يَوْمَاً أَطْفَالَ هَذِهِ الْمَدِيْنَة،
وَلَا أَبْنَاءً لِآبَاءٍ دُفِنُوا فِي تُرَابِهَا الْأَسِيرْ.
وفِي مَدَاخِلِ الْحَوَانِيتِ،
عِنْدَ الْأَغْلَاقِ الَّتِي ضَجَّتْ،
وَالْأَقْفَالِ الَّتِي رَمَتْهَا الْأَيْدِي، سَرِيْعَاً، عَلَى الْأَغْلَاقِ،
قَبْلَ أَنْ يَلُوْذَ أَصْحَابُهَا بِالظِّلَالْ،
جُنُودٌ بِأَسْلِحَةٍ أُوتُومَاتِيكِيَّة،
سَيَصِلُونَ فِي عَرَبَاتٍ مُرَقَّطَةٍ تَغُصُّ بِالْأَعْلَامِ،
وَعَلَى أَذْرُعِهِمْ شَارَاتُ الْحَرَسِ الْجُمْهُورِيْ .
وَبِأَقْدَامٍ مُلَطَّخَةٍ بِالدَّمِ، يَتَرَجَّلون،
يَتَقَدَّمُهُمْ فَتَىً بِرَأْسٍ مَقْطُوعْ،
وَمِنْ وَرَائِهِ فَقِيهٌ بِعَمَامَةٍ سَوْدَاءَ
قَالَ إِنَّهُ مَازَالَ يَمْشِي إِلَى دِمَشقَ،
مُنْذُ 1400 عَام،ٍ
نَازِلَاً
مِنْ كَرْبَلَاءْ
وَفِي يَدَيْهِ هَذَا الرَّأْسُ النَّازِفُ.
وفِي الْمَوكِبِ، مِنَ الْوَرَاءِ،
عُصَبٌ بِصُدُورٍ مُبْهَمَةٍ لَهُمْ رُؤُوسُ أَبْقَار،ٍ
وَيَنَابِيعُ الدَّمِ تَفُورُ فِي رُؤُوسِهِمُ الْمُجَرَّحَةِ بِالسَّكَاكِينِ
عَلَى مَرْأَىً مِنْ دِمَشْقِيينَ مَبْهُوتِينَ
لَهُمْ عُيُونٌ زَاغَتْ فِي جَمَاجِمَ هَرَبَ مِنْ مَحَاجِرِهَا الضَّوْءُ
وَتَقَهْقَرَتْ فِي ظُلُمَاتِهَا صِوَرٌ وَذِكْرَيَاتٌ عَنْ أَيَّامٍ أُخَرْ.
من هؤلاء الْلَّاطِمِينَ صُدُوْرَهُمْ بِالْأَكُفِّ،
الْجَالِديْنَ ظُهُوْرَهُمْ بِالسَّلاسِلِ؟!
قَالَ صَبِيٌّ:
وَهَلْ نَحْنُ فِي مَنَامٍ حَالِكٍ،
أَمْ فِي مَدِيْنَة خَرَجَتْ مِنْ كِتَابٍ مُمَزَّقْ؟!
فَلْنَمْضِ، إِذَنْ، َأَنَا وأَنْتَ
أَنْتَ
وَأَنَا،
كَمَا يِمْضِيَ تَابُوتٌ عَلَى صَفْحَةِ نَهْرٍ
عَلَى ضِفَافٍ اقْتُلِعَتْ مِنَ الْمَجْرَى وَطَافَ بِهَا الْهَشِيمْ.
نَحْنُ لَسْنَا هُنَا
نَحْنُ لَسْنَا هُنَا، إِلَّا لِأنَّنا أَشْبَاحُ مَنْ كَانُوا؛
لَسْنَا مَنْ عَرَفُوا أنْفُسَهُمْ،
وَلَا مَنْ اكْتَشَفُوا،
أَوْ تَاهُوا،
أَوْ وَصَلُوا وَوَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ جَالِسِينَ فِي صُوَرٍ قَدِيْمَةْ.
نَحْنُ لَسْنَا هُنَا.
وَلِأَنَّ الْيَوْمَ اللَّطِيفَ هَذَا الَّذِي أَقْضِيهِ مَعَكَ كَانَ يَوْمَاً لَطِيفَاً،
هُنَا،
فِي هَذَا الْمَنْزِلِ،
وَالْآنَ لَمْ يَعُدْ،
أَجْلُسُ عَلَى مِقْعَدٍ فِي قَاعَةٍ فَارِغَةٍ،
وَأَتَلَهَّى بِالْفَرَاغْ.
وَفِي أَوْقَاتٍ أُخَرْ،
أَرَى يَوْمِيَ وَهُوَ يُعْطِينِيَ ظَهْرَهُ،
وَيَذْهَبُ،
وَيَتْرُكُنِي عَلَى مِقْعَدٍ
فِي جِوَارِ فَاكِهَةٍ يَبِسَتْ فِي صِحَافٍ.
أَب مُطْرِقٍ
عَلَى زَهْرَةٍ حَمْرَاءَ مَفْرُوطَةٍ.
عَيْنَايَ تَجُولَانِ
وَلَا تَجِدَانِ، هُنَا، غَيْرَ السَّتَائِرِ تُخْفِقُ فِي هَوَاءِ الْمَاضِي.
لأنَّ الَّذِيْنَ مَلَؤُا الْقَاعَةَ فِي الْأُمْسِيَةِ،
أَشْعَلُوا الظَّهِيْرَةَ
بِالْأَصْوَاتِ،
وَمَنْ ثَمَّ انْتَحَبُوا وَتَهَاوُوا وَصَارُوا ظِلَالاً
تَرْشَحُ دَمَاً،
وَهَا نَحْنُ أُوْلَاءَ نَصِلُ فِي مَسَاءَاتٍ تَصِلُ عَلَى صَهَوَاتِ جِيَادٍ مَكْسُورَةِ الْأَعْنَاقِ
وَأَرْجُلُهَا تَخْفِقُ فِي بَحْرِ الْمَوْتْ.
بِأَصَابِعِ صِبْيَةٍ وَبَنَاتٍ لَعِبُوا بِالشَّرَائِطِ وَالْأَلْوَانِ طَوَالَ نَهَارٍ
ثُمَّ وَجَدُوا أَنْفُسَهُم فِي قَاعَةٍ خَاوِيَةٍ،
نُشِيرُ عَلَى أَنْفُسِنَا فِي صِوَرٍ
بَهَتَتْ
وَسَالَتْ
عَلَى
حَائِطٍ.
نَحْنُ الَّذِيْنَ كُنَّا هُنَا عَلَى الْأَرَائِكِ
فِي صَيْفٍ مَضَى،
لَمْ نَكُنْ فِي أَيِّ وَقْتٍ سِوَى صُوَرٍ قَدِيْمَةٍ فِي بَيْتٍ مَهْجُورْ.
طُرْفَةُ الزَّمَنِ، وَطَرَائِفُهُ الْحَزِيْنَةُ الْهَارِبَةُ مِنَ الصِّوَرْ،
نَحْنُ.
وَمِنْ وَقْتٍ إِلَى آخَرَ
نَحْنُ لَسْنَا هُنَا إِلَّا لِأَنَّنَا عَلَامَاتٌ مَرِحَةٌ فِي فَرَاغٍ شَاهِقٍ،
وَأَصْوَاتُنَا الْمُضْطَرِبَةُ الماضي كُلُّهُ وهو يَهُبُّ مِنَ الْمُقْبِلِ وَيُلْهِبُ السَّتَائِرْ.
—————————
القصائد مختارة من مجموعة شعرية بعنوان “لا حرب في طروادة – كلمات هوميروس الأخيرة” صدرت أخيراً عن منشورات المتوسط في ميلانو
*****
خاص بأوكسجين