المركون من الأسئلة
العدد 245 | 08 تموز 2019
عباس ثائر


 

 

لمَ كبرت، أيها الطفل؟

ماذا لو أن الحياة أوعزت: أن تبدأ طفلاً، تشيخ وتموت طفلاً؟

لمَ كبرت؟

أكان يُخجلك أن تبدو طفلاً لثلاثينية شاهقة؟

لمَ كبرت؟

أأردت أن تعرف كنه البياض في الرأس،

ولمَ يولد المرء برأس أسود؟

ربما، كان حزناً مقدماً لما ستكونه الحياة.

بينما تكبر، يبيض رأسك،

ولا تدري هل البياض ترحيباً مسبقاً

بعالم ستكون فيه طفلاً.

-لكنك هذه المرة لا تكبر-

أم كان حفاوة في أن تكون ذراً منسياً؟

أظنك مثلي، كنتَ لا تدري، لمَ حين يجري

العمر يبيض الرأس وتسوّد الأسنان؟

أظنك مثلي كنتَ لا تدري.

وحده الموت قال ما لم نستطع قوله أو أنه سيقول ذلك.

 

هو الآن لا يرى..

حدق في ذاته فأضاع النظر.

الذين اتخذوه أسوة كانوا مثله فقدوا أعينهم، حين عادوا لأنفسهم..

أتخذ الرحيل ذريعة للعيش، أخذ معه بسمة كان يراها كل صباح على وجه أمه، ونهراً قديماً كان يجري معه كلما شرب المدينة عطشٌ ما، وبقايا خبز ونعناع أخضر في حديقته. بات يبحث عن خضارٍ بعد ما اصفّر عمره وتساقطت سنواته.

كان يمشي مثلنا لكنه لا يأتي

إنه يرحل فقط.

مثل طفل تدهشه صدفة

أن يرى ما لم يرهُ مسبقاً

دهشّة أن تعرفَ الأشياء لأول مرة

لا تمحوها سوى دهشة أبعد.

قلّما أصادف وجهي في المرآة.

المرآة، امرأةٌ تُريك نقص الطين

في وجهك أو كثرته.

في المرآة، انظر لعينيك، ستعرف

إذا ما كنتَ في سبات أو حياة.

في المرآة، حديث يطول، وعمر يتوه.

في المرآة

في المرآة..

في المرآة، تؤنّب الوجوه أو تكرم.

مصادفة مثل كهل أخبرته المعرفة:

إن طال السطر أو قصر

هناك قبر رأس سطر!

حدقت لحظة، أدركت أن العمر يجري

كما لو أنه نهر أشبعتّه الأمطار معرفة

فصار يفيض كلما عطش..

تعيسٌ، أن تدرك أن الرأس أول الأعضاء

 يبدي استسلامه.

في المرآة رأيت رأسي يبدي استسلامه.

 

نهار يمنح الظلّ شرعية الرحيل

آخرُ ما يأخذه الظلُّ من النّهارات،

شرعيّة الرّحيل.

آخرُ ما أضعتُه في رحلة الإيغال في الأشياء ذاتي؛

فعدتُ بحذاءٍ ممزّق، وجسدٍ قديم!

موجعٌ أن تكون مثلَ مقبرة يؤرقّها السّؤال:

لمن سيكون آخرُ القبور؟!

ذلك التنبُّؤُ لا ينفع المرءَ شيئاً،

سوى أن يخفضَ جناحَ القلقِ،

ويمحوَ حيرّة الانتظار،

أو يفسدَ دهشةَ اللّقاء،

ويضع نقطةً آخر القبر.

ليس للرّيحِ عذرٌ إذا ما تعهد الغصنُ

بإسقاطِ ضرائب السُكنى على ظهره،

ليس للوجوه عذر إذا ما مسحت

عنها فجيعة الغيابِ.

تقولُ الحكيماتُ من الجدّات:

في الحكمة يُعرفُ الرّجال،

وتعرفُ من الضّحكاتِ مقاصد النّساء.

بالنّساءِ تُزهر البيوت،

وفي الآباء تقوى قوائمها.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من العراق.