اليوم الأول
تظنِّينَ أنَّني الرابح الوحيد
لمجرد أنني سأنام الليلة في السرير
وأتقلَّب
مرَّةً في الجهةِ التي كانت لي
ومرَّةً في الجهة التي لمْ تَعد لكِ.
منذ اليومَ سأكتبُ قصيدتي ولن يتمشى فيها أحدٌ سواي.
أنا الرَّابحُ الذي خَسِرَ كلَّ شيء.
لأَنني لمْ أَكُنْ في جواركِ
إِلا لأنني كنتُ في جواركِ الرَّابِحَ الذي خَسِرَ كُلَّ شَيء.
اليوم الثاني
أُفَكِّرُ بخسائري
منذُ أَنْ خَرجتِ في ذلك اليوم، وقُلْتِ إِنَّكِ لن تَعودي،
كُنتِ غاضبةً
وقُلتِ أنني لنْ أَراكِ مَرَّةً أُخْرى.
والآنَ،
بعدَ سَنَةٍ، لعلهُما سَنتان،
أَقِفُ في الممرّ وأَراكِ
عند العتبة،
بيدٍ نحيلةٍ تَرْتَجِفُ على مِقْبَضِ البابِ،
والتفاتةٍ سريعة
ولأَسْمَع، مِنْ ثَمَّ، ضَجَّةَ ذلكَ الشَّيءَ الذي اصْطَفَقَ وراءَكِ،
والمنزلَ الذي سَقَطَ على رُكْبَتَيْهِ..
أُفَكِّرُ بِكِ
وبِي،
بحماقَتَي، لأَنَّني أَنا، أَيضاً، كُنْتُ غاضِباً،
وقُلْتُ:
افْعَلي ما تَشَائِينَ!
لأَنَّكِ اليومَ، أَيْضاً، كُنْتِ أَرباحيَ كُلها، وخسائري التي لا تُحْصى.
اليوم الثالث
سيأْتي الهواءُ ويفتحُ البابَ،
لأَراكِ
في الغُرْفَةِ
بقِرْطٍ لامِعٍ في أُذُنُكِ الصَّغيرة،
صامتةً ومُبْهَمَةً،
كما كُنْتِ في المَرَّةِ الأَخيرة
يومَ خَرَجْتِ،
ولَمْ
تَعودي..
***
أَهُبُّ، وأَدْفَعُ البابَ، لأَنّني فَكَّرْتُ أَن هذا لَيْسَ أَنْتِ
ولكن شَبَحكِ الشّرير جاءَ يُعَذَّبُني!
***
أَتَرَيَّثُ وأُفَكّرُ أنْ ربما كُنْتِ أنت،
رُبَما كانَ هذا هو أنْتِ
حقاً
ولا أحدَ آخَرَ
بالقرط اللامع عند ياقتك،
والإلتفاتةِ الساهمة،
وتلك النظرةِ!
***
وحتى العِطْر الذي رَجَعَ به الهواءُ.
***
كُنْتِ تَتَهَيّأينَ، لتَخْرُجي،
قَبْلَ أَنْ أَتَلَفَّتَ،
وأَراكِ.
***
ولَنْ تَظْهَري بالبابِ مَرَّةً أُخْرى
لتناوليني المِظَلَّةَ المُبَلَّلةَ
وكيسَ الورقِ
والتُّفاحاتِ التي انْزَلَقَت..
وأَنا أَنظُركِ
بشَغَفٍ
وأَنْتِ تَنْفُضِينَ عن حِذائِكِ اللامع
حبّاتِ المَطَر .
***
كُّلُّ ما بَقِيَ لي مِن ذلكَ اليوم صَرخَةُ البابِ وهو يَصْطَفِقُ،
والرَّائِحَةُ التي جُّنَّ بها الهَواءْ.
لندن 2021
الزائر
ما أفعل بيدي أنا الذي ولدت بلا يدين؟
ما أفعل بأيامي التي يعتصرها الالم
ويقدمها لي في كأس؟
أنا هنا،
على مقعد في جوار نافذة
موصدة
من عام
أسمع، لكنني لا أرى.
في النهارات، أعني ليس في وقت كهذا الوقت
صخبُ أناس أحياء في الجوار
يملا أسماعي.
المجهول يقترب، المجهول يصعد الدرجات
أسمع الباب يبكي، والجدران ترتعد
المجهول يفتح بالمفتاح
العتبة ترتجف
أنفاس الدهليز تتهدج.
المجهول
كائن بسلطات استثنائية
وإلا كيف قيض له أن يملك مفتاح بيت لشخص اختفى منذ عام؟
لعله جاء يتأكد إن كانت نبتت لي يدان
وما أزال ساكن هذا البيت.
اليوم الذي جاء بالأمس
كيف ليوم غدٍ أن يأتي من الخلف،
أن لا يقبل أبداً،
من الوجهة التي توقعتَ،
أن يهجم من الخلف، ويحمل إلى عينيك الأشياء نفسها التي عُرفت من قبل،
التوقعات التي لا يريد أحد أن تظهر له مرة أخرى.
سأرخي الستائر،
لا أريد لضوء النهار أن يعيد علي المنظر نفسه،
ولا لهذا الباب الذي أحكمت إغلاقه
أن يفتح مرة أخرى
للطارق الرسول
وفي يده اللفافة نفسها للمرة الألف.
في حَانَةِ سِيْدُوْرِيْ
وَبَعْدَ أَنْ تُوَدِّعَنِي الْغَانَيَةُ،
بِشَفَتَيْهَا الْقَانِيَتَينِ وَخِمَارِهَا الْأَسْودِ،
وَالْعَذْرَاءُ،
بِرِمْشِهَا الْمُبَلَّلِ،
سَيَصِلُ الدُّودُ،
بِأَسْنَانِهِ الْمَائِعَةِ، وَيُعَاوِنُ ضِرْسَ الْمَوتْ.
هَلْ تَكُونُ بِيْ حَاجَةٌ إِلَى وِسَادَةٍ أَطْرَى مِنْ تُرَابِ نِيْسَانَ،
حَيْثُ رَفَعَ الْبَنَّاؤُونَ قَلْعَةً،
وَأَرْسَلَ الْفَلَّاحُونَ الْبُذُور فِي أَثْلَامٍ مُقَلَّبَةٍ؟
هَلْ أَقْوَى، ثَانِيَةً، لِأَبْدَأَ مِنْ قَدِيْمٍ؟
….
مَا بِيْ وَهَذَا الْحَادِثُ؟
عَصْرَاً، فِي خُضْرَةٍ فَاهِيَةٍ وَنُورٍ مُرْهَفٍ،
التُّرَابُ أَسْوَدُ،
وَالْقَدَمُ الثَّقِيْلَةُ فِي غَائِصٍ،
وَالْأَصْوَاتُ تِلْكَ،
أَعْرِفُهَا،
أَهِيَ الْقِثَاءُ تَتَشَقَّقُ، أَمْ الطَّفْرَةُ فِي رَبِيْعٍ؟
إِنَّنِي أُنْصِتُ،
أَسْمَعُ يَوْمَ غَدٍ فِي جِوَارِ يَوْمِ غَدٍ آخَرَ،
وَيَوْمَاً غَرِيبَاً كَانَ يَلْهُو فِي جِوَارٍ،
وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَكْثرُ مِنْ صَفِيرِ صَبِيٍّ يَلْهُو بِكُرَةٍ،
نَظَرْتُهُ تَحْتَ نَافِذَةٍ،
وَرَأَيْتُ وَجْهِيَ مِنْ وَرَاءِ دَقِيقٍ أَبْيَضَ.
ذِلِكَ كَانَ وَجْهِي لَمَّا كُنْتُ مَلْفُوفَاً بِكِتَّانٍ،
وَمُمَدَّدَاً فِي صَالَةِ الْمَكْتَبَةِ.
كُنتُ بِلَا كِتَابٍ
إِلَّا
تِلْكَ
الْعُشْبةُ
عِنْدَ فَمِيْ
وَهَوَاءُ الْحُقُولِ يَمْلأُ أُذُنِي.
ما الذي سوف يحدث
تَخَيَّل لو أَنَّهُ وَصَلَ
أَخيراً،
ولَمْ نَكُنْ
لا أَنا ولا أَنْتَ
هُنا.
تَخَيَّلْ ما الذي سوفَ يَحْدُثُ
لي ولكَ
عندما يَصِلُ ولا يَجِد أَحَداً في انْتظارِهِ!
تَخَيَّلْ أَنْ نَعُودَ إلى هذا المكانِ
ولا نَجِد في انتظارنا أحداً
لا أَنا
ولا أنتَ
ولا هؤلاء النظّارة،
ولا حَتّى قاطع التذاكرِ المحبوسِ وراءَ الزجاجِ في انْتظارِ غودو.
تَخَيَّلْ يا فلاديمير
*****
خاص بأوكسجين