المرأة التي توشك دوماً على البكاء
العدد 179 | 29 أيلول 2015
سحر أبوليل


وأنتِ على سطح الماء، عارية من الأقمشةِ والشياطين، بعيدة عن الأسوار وقريبة من الأشواكِ الشائكة ذات التّيارِ الكهربائي العالي، لن يخطرَ ببالكِ القفز في الماء والغوص في معاني الحياةِ هناك..

أنتِ التي اعتزلتِ الحياةَ العامةَ منذ سنوات، امرأةٌ تكرهُ ” تل-أبيب” وتجاورها لا تعرفُ شيئاً عن طعمِ الانتصارات العربية.

لا تصلحينَ لحراسةِ مقبرة ولا للوقوفِ على أبواب النوادي الليلية، قلبُكِ أكبر من سماء ستمطرُ عمّا قليل وطولُكِ لا يساعدك على فك لغزِ ما يدورُ في رأس عامود إنارة حينما يكسرُ أحدهم قنديلَهُ ويظلُّ واقفاً على رجلٍ واحدة، كما وأنكِ لا تصلحينَ للعزفِ ولا للغناء و”البيانو جايز” يعلمونَ ذلك جيداً، ففي كلِّ مرةٍ جرّبتِ فيها عزف “في مكان ما خلف قوس قزح” هبّت عاصفةُ دموعكِ واقتلعت كلَّ ما يحيطُ ببيتكِ من أزهار.

شاربُ “دالي” المعلّق على الجدار، 

شهادةُ امتيازكِ الأخيرة في العمل، 

استمارة اليانصيب التي وقّعتها ساخرةً ببيتٍ لأبي النّواس في لحظة سُكر، 

ورقُ الجدرانِ الذي قشّرتِهِ بوحشيةِ سنجابٍ جائع، 

الأسماء الانكليزية لفرج المرأة التي دوّنتها على علب السجائر الفارغة..

كلّها كلّها مزّقتها وجلستِ تعدّينَ كم مرة خسرتِ فيها حياتكِ ولم تعودي كي تجمعينها في قصيدة.

جرّبتِ ان تكوني مثل القهوةِ ثرثارة ومرّة وحارقة،

 البنّ لا يصلحُ للنّكاتِ البذيئةِ ايضاً.

جرّبتِ رسمكِ بريشةِ ” فريدا كاهلو” فلم تلمحي سوى اذيال بخور وهي تتوهج..

تقولينَ إنك بوهيمية لكنكِ لم تراقبي نفسكِ وأنتِ تنسكبينَ على طاولة الصباح مرة مثل حليب فاسد او وأنتِ تتمدّدين مثل نملةٍ مريضةٍ في حوضِ نعناع.

تحاولينَ إصلاح عطبٍ ألمَّ بالهواء، تجمعينَ الشتائمَ وتلقينها بصرّتكِ المخرخشةِ  في عرضِ البحر ثم تقولينَ انّه حين سيخرجُ الصّيادونَ اسمَكِ من قنينةِ البيرةِ تلك ستعضينهم واحداً واحداً كي يعلموا كم كان الوقتُ ضائعاً حين انكرتِ كلّ الأسماكِ التي ماتت بداخلك وكم هم خاسرون.

عذريتكِ لا تهمُّ أحداً سواكِ،

طوال اعوامٍ مضت صرختِ:

” لا أريدُ ان أعيشَ عذراء ولا أن أموتَ عذراء، كلا لا أريدُ لجسدي هذا العفن”، إذ لا شرف لشرفٍ يجفف السّواقي كي يفتحَ درباً للبطولات.

أنتِ لا تحبينَ البطولات الوهمية..

وإلا فماذا يعني ان تحتفظَ امرأةٌ بجسدها، تزيّنه،تهذّبه، تشذّبه، ثم تخبئه في خزانةِ المونةِ مثل “مرطبان المكدوس”؟

قلتِ : إن الروح التحفة لا تكون جميلةً إلا داخل اطارها الكريستالي الملمع وأجسادنا مثل ارواحنا متاحف لا تلمع إلا بضحكات زائريها.

تعلمين ان “غالا” تسكنكِ وأن شاعراً يكتبُ عنكِ بينما الرّسام وحده من حظي بكِ ويعتني بأصابعكِ ورغم ذلك لستِ سعيدة..

أيّتها المرأة التي توشكُ دوماً على البكاء فتبتسم..

ما الذي تريدينهُ مني ؟

_____________________________

كاتبة من فلسطين

الصورة للفوتوغرافية الأمريكية برنيس ابوت (Berenice Abbott)

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من فلسطين