أحدث العبقري فرقاً كبيراً في التعاطي مع كل ما عجز أن يتعاطى معه، واتّبع مساراً هاماً جداً في اللحظات المصيرية، كانت تدفع به إلى تقديس كل ما يحدث، وتكميم أفواه كل من لا يقدّس ما يقدّسه، وبعد فترات متعاظمة من متابعته الأمر، وتأسيسه موقعاً تحليلياً وضربه أرقاماً قياسية بجمع المصفقين له افتراضياً على شبكات التواصل الاجتماعي، توصل إلى أنه إله ثوري، وأن وكل “كن” يتبعها “فيكون”.
العبقري الذي كان أتباعه بالآلاف وفي رواية أخرى مئات الآلاف، اضطر للاختباء من كل هؤلاء المئات الآلاف، في اللحظة التي تحولوا فيها من افتراضيين إلى حقيقيين من لحم ودم لهم رائحة فم وإبط وأعضاء أخرى لا نحبذ إيرادها في حضرة العبقرية، لكنها روائح حقيقية من شدة الإجهاد والتطلع، وكانوا جميعاً قد أطلقوا لحاهم ضاربين عرض الحائط بشفرات جيليت، حيث كانت حيطان كل المساكن التي شغلوها مضروبة بشفرات جيليت وبعرضها تحديداً، كما كان الأسود مهيمناً لأنه لون التفاؤل الأعظم، وقد وقع عليه مراراً واعتبره في مطولات إبداعية خارقة له بأنه لون المستقبل، وأن خصوصية العلمانية العربية تستدعي السواد، لأنه لون الواقع الذي وقع، ويجب الحفاظ عليه حتى لا ننفصل عنه، وأكّد في لقاءات أجريت معه بلغات العالم أجمع، بأنه شخصياً يرى الأسود وردياً “بينك” لأنه مؤيد كبير للثورات المثلية، وأن الانتصار المضمون لقوى التحرر في بلده ستنزع الأسود عن العلم وتستبدله بالوردي مع جملة ستسود كل المستقبل هي “لا إله إلا الإنسان”، وحين تجرأ صحفي على سؤاله وكيف سيكون ذلك أجاب على الفور “عليك أن تؤمن بالمعجزات يا رجعي”، فصفق له الحشد الكريم.
في إحدى تجلياته العظيمة كتب “سننتصر” فعم الفرح أرجاء المعمورة، وفي تجلي أكبر أثبت فيه قدرته على النفي الإيجابي كتب “لن ننهزم” وكان في تلك الأوقات العصيبة متوارياً عن أنظار الحقيقيين، الذين كانوا يبحثون عنه ليقطعوا له عضوه بشفرة جيليت لم يكن مناسباً أن يضرب بها عرض الحائط، وهو بدوره أي العبقري المفدّى وجد أن كل ما كان يقوله ويقدّسه صار ضده، لكنه بعبقريته المعهودة قام بالتواري وبالتالي تعاظمت ألوهيته التي جاءت هذه المرة من أعتى الدوافع الانسانية ألا وهو الخوف، وخاصة أنه وقع بأم عينه على رجال يحملون شفرات جيليت ويبحثون عنه في كل مكان.
كل هذا لم ينل من عزيمته، وقد كتب بعد أن تمكن من الهرب “سأعود” وعمّت الأفراح أرجاء طبقات الشبكات الاجتماعية، وهو يقارع الظلم وكل من وقع عليهم الظلم كانوا يريدون أن يمرغوا به التراب ويمسحوا فيه الأرض، بعد أن مكّنهم في الأرض التي سيمسح بها وهتف بعبارات مواربة تتمركز حول إسقاط شفرات الجيليت، وأن الأجدى التسلح بها ضد الظلم مع مساندة المقصات والموسى وشتى أدوات حلاقة الظلم واستئصاله، هو الذي لم يطلق لحية يوماً، صارت لحيته تطول وتطول من وعثاء الخوف والهرب والمنفى.
_______________________________
شاعر وروائي وناقد من سورية
الصورة لفنان الغرافيك الإيراني رضا عابديني
*****
خاص بأوكسجين