العاشقان
العدد 280 | 21 تشرين الأول 2023
طارق عباس زبارة


كانا جالسين فوق صخرة تطل على البحر، طيور النورس تحلق فوقهما، والبحر يداعب أقدامهما. كانا ينظران إلى الأفق في عناق حميم ورأسيهما يميلان قليلاً كلٌّ على الآخر. فجأة سمعا صوتاً صارماً خلفهما:

-“البطاقة!!”

التفتا إلى الخلف، رأيا شرطياً بديناً قصير القامة، على وجهه شارب كثيف، عيناه بارزتان قليلاً. نظر إلى العاشقين لوهلة، خمن أنهما ما زالا في سن المراهقة. الفتى: شاب نحيل، وسيم، له وجه ضحوك. الفتاة: جميلة، عيناها تنبثق منها شرارات الذكاء والثقة بالنفس.

ثبَّت الشرطي نظراته على الفتاة، “كم أنتِ فاتنة بثوب السباحة الذي ترتدينه والذي يبرز أكثر مما يخفي، وكم هذا البهلوان محظوظ، لا بد أنه يضاجعك أكثر من مرة في اليوم”، فكر في نفسه وقد بدأ ذكره ينتعظ.

تذكَّر أيام شبابه التي أمضاها ممارساً العادة السرية لسنوات طويلة، حتى نجح أبوه في جمع المال اللازم ليزوجه بابنة خالته التي كانت تشبهه في قبحه، والتي لم يحبها أبداً، والتي كانت البديل الوحيد ليده اليمنى… فكَّر فيما يجب أن يفعل الآن: هل يأخذ المراهقين إلى المخفر ويذلهما هناك؟ يضرب الولد ويعرض الفتاة إلى فحص إجباري لبكارتها؟

“هؤلاء الشباب لا بد من تأديبهم، لقد أصبحت وقاحتهم لا تطاق”.

تذكَّر كيف أوقف بالأمس سيارة فخمة مسرعة، أنزل السائق الشاب الزجاج المعتم وابتسم للشرطي باحتقار، أخرج من حقيبة يد رفيقته الشابة التي كانت تجلس إلى جانبه رزمة نقود تعادل شهرين من مرتبه الرسمي، ناوله النقود وقال له بسخرية: “اشتر لأطفالك ألعابا ً”. وبعد أن أمسك بذلٍّ الرزمة، انطلقت السيارة مبتعدة، دون أن تعيره أدنى اعتبار.

“اليوم يوم آخر”، قال لنفسه، “اليوم لن يذلني أحد.”

التقط البطاقتين وبدأ يقارن الوجهين بالصورتين، لا ليتأكد من هويتيهما، بل ليثبت هيبته أمامهما.

وفجأة أصابه ذعر رهيب وهو ينظر إلى فميهما اللذين كشرا فجأة عن أنياب طويلة، لم يلحظها من قبل.

تسمَّر في مكانه. وثب العاشقان على الشرطي بسرعة البرق، أمسكاه من رسغيه وشداه إلى الصخرة بقوة لم يتوقعها من هذين الشابين الهزيلين.

قالت الشابة: “نريد أن نضيفك تعال معنا “،هيمن الخوف على الشرطي الذي لم يتمكن من الإفلات من قبضتيهما.

وفي لمح البصر قفز الاثنان إلى البحر ممسكين بالشرطي المذهول! لم تمر إلا ثوان قليلة حتى تمكنا من سحبه إلى الماء العميق. كتم أنفاسه ورأى بعينيه المفتوحتين أن الاثنين كانا يتنفسان بسهولة في الماء وهما يضحكان. فجأة فكا قبضتيهما عن رسغيه، حاول أن يطفو إلى الأعلى، وظن أنه قد نجا، فإذا به يشعر بقبضة قوية على رجليه تسحبه مرة أخرى إلى قاع البحر.

وقبل أن يموت غرقاً، شعر فجأة بألم شديد في رقبته إثر عضتين قويتين، قضتا على حياته إلى الأبد.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من اليمن مقيم في ألمانيا.