السيرك
العدد 153 | 02 حزيران 2014
زياد عبدالله


وعدونا ببرنامج لن يترك مهرجاً إلا ويشترك فيه، كما أن الألوان ستكون مبهرجة وفاقعة بما يقينا وباء عمى الألوان محط لعن النخب ذات الأفكار الخارقة، وقد استقدموا معهم صياد ذباب، نصحنا أن نتناول في كل يوم ذبابة للاعتياد على الأفكار الطنانة.

كما أنهم زوّدونا بمدرب متخصص بتعليم طيور الجنة النطق، وقد كان في كل يوم يلتقط بشبكة مدهشة أعداداً كبيرة من الأطفال الصاعدين إلى السماء ويودعهم قفصاً كبيراً، ويبدأ بتعليمهم أبجديات الجنة والخلود، وقد كان مدرب النطق هذا واحداً من مروضي الحيوانات الأليفة الذين كنا في أمس الحاجة إليهم في هذه الأوقات العصيبة التي تحولت فيها الكلاب إلى ذئاب، والقطط إلى نمور، وعصافير الكناري إلى صقور، لا بل إن فئراناً كثيرة تحولت إلى تماسيح، وقد كان هذا خارج اختصاصهم، معتبرين أن الفئران للتجارب ويجب أن يجري ندب مجموعة من المخبرين لدراستهم، وتحولاتهم إلى تماسيح، وهذا يستدعي بالتأكيد دائرة الأدغال، وهيئة حديقة الحيوان الشرعية.

أما الرواة الكثر فقد تمّ تقليص عددهم إلى النصف، وبالتأكيد فقد رفض النصف المستغنى عنه هذا القرار الجائر، وانتقل إلى الخندق الآخر، وبدأ برواية مآثر ذلك الخندق الرحيم، وطالبونا أن نصدقهم في روايتيهما عن كلا الخندقين.  

تزامنت كل تلك الجهود بحملات بلا هوادة فيها لإحياء علوم الزجل، وتدبيج الأحكام والشرائع التي تضيء على نحو لا يدفع إلى الشك ، ما يصلح للبكاء وما لا يصلح لذرف دمعة عليه، ومبطلات الندب ودواعيه، وخاصة مع ازدياد الحلكة إلى الحد الذي ما عاد فيه مجال لالتماس الخيط الأبيض من الأسود، وقد صارا سواء، وهكذا كان علينا أن نشهد إلى ما لا نهاية حفلات الندب الجماعي، والعزف المنفرد على الدمع الذي برعت فيه على نحو خارق التماسيح التي كانت فئراناً، وهكذا نهض المشروع الاستثنائي لتخليصنا نحن معشر العبيد من عبوديتنا، وطالبونا بكل ما احتكموا عليه من نباح، أن نواصل تقديم التضحية تلو الأخرى لكي لا يتوقف برنامجهم المستقبلي، برنامج البكّائين رواد البديهيات والمهرجين، لكي لا يبهت المبهرج فاقع اللون أو الدم، وليواصل المروضون ترويضهم الحيوانات الأليفة السابقة، وألا يكون مقتل كل أولئك الأطفال إلا مؤشراً على زيادة معدل تفقيس طيور الجنة.

_____________________________________

شاعر وروائي وناقد من سورية

الصورة من أعمال المصور السوري أشرف زينة.

زوروا موقعه www.zeinah.net للتعرف أكثر على أعماله الفوتوغرافية المميزة.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.