وقعت ذبابة صغيرة في كوب البيبسي، جذبها السائل الحلو، اللزج، شربت منه حتى ارتوت. كانت سعيدة في البداية، فقد تحققت أحلامها، وكل هذا البحر من النعمة لها وحدها. رفرفرت بأجنحتها وسبحت بأرجلها كي تشفط أكبر قدر ممكن.
وبعد وهله أدركت أن الشراب اللذيذ سيقودها إلى الموت: إن حركت أطرافها أجّلته وإن توقفت عجّلته، أدركت أنه لا بد من الخروج من هذه النعمة الوهمية، أصبح طنينها يعلو، لكن لا منقذ يسمعها، وفجأة رأت المصاصة، وبعد مجهود وجدت طريقها إليها، تسلقت إلى الأعلى حتى خرجت من الكوب، لم تكن أجنحتها قد جفت بعد، فلم يبق لها سوى أن تركض على أقدامها كي لا يسحقها أحد.
توقفت عندما رأت أمامها عامل النظافة جالسًا على أحد الكراسي يدخن ويحدق في الفراغ، كان المحل مغلقا وفارغا من الناس، لم يبق سوى قنديل واحد ضعيف يصدر ضوءه الخافت.
كانت تفوح رائحة الخيبة من العامل، بدلاً عن رائحة التعب التي تفوح من العمال عندما يطيرون كالنحل لتلقي الطلبات في المطعم المكتظ على الدوام، ولم تكن أيضاً رائحة الشهوات التي تفوح منهم عندما يتلقون طلبات من النساء والفتيات الجميلات بعيدات المنال. كانت رائحة الخيبة، رائحة لا تلتقطها الذبابة إلا في أحيان نادرة، فكل الكادحين هنا كانوا يتعلقون بقشة الوهم بأن كفاحهم سيخرجهم يومًا ما من هنا ناجحين وأثرياء، إلى حياة أخرى لا تشبه هذه الحياة الكئيبة التي يعيشونها.
اقتربت الذبابة من العامل، نظرت إليه بإمعان، أرادت أن تواسيه، أن تقول له إنها نجت للتو من السائل اللزج؛ سائل الأوهام الذي كاد أن يقتلها، أرادته أن يهرب معها قبل أن تبلعه دوامة الخيبة…
اقتربت منه كي تحضنه تحت أجنحتها وتهدهده وتخلع ثيابها وتسمح له أن يضاجعها ويتمتع بجسدها دون مقابل، هكذا فقط كتضامن بين الكائنات المسحوقة.
وفجأة رأى عامل النظافة الذبابة الجميلة أمامه تقترب منه بأجنحة مفتوحة، استسلم لاحتضانها، وبعد أن خلعت ملابسها ساعدته على خلع ملابسه، بدأ جسداهما يتمايلان في شهوانية رائعة تحت ضوء القنديل الخافت على أرضية المطعم الفارغ…
*****
خاص بأوكسجين