سوف نكون وحيدين
قصاصات حبّ وداعية،
تتساقط
من أذرع الشجر.
الأرض سائلة، والكلام هو الصلبُ.
ثمة وقتٌ لأكتب شيئاً لك.
(الكلمات على جانب الأرض منثورة كالحصى،
والمعاني مجازية)
لم أقل ما أريد. هل الحبّ..
ألا نقول سوى كلماتٍ محددةٍ؟
كلماتي تضلّ الطريق،
وتفقد آثارنا في مياه الشتاء،
فتجلس في الظل، ساهمة، كجراء يخلّقها
الصمت.
سوف نكون وحيدين.
ما بيننا.. شُقة يتسرّب منها الهواء
إلى جسدينا،
ولن نتذكر إلا نهاراً أخيراً، يسيل علينا.
أمدّ يدي نحو مشبك شعرك؛ قبضتك المستعارة،
تلك،
وأسأل نفسيَ:
هل أنت إلا بخار يموج، كما قمم السرو،
تحت الثياب؟
***
الوصية
هنالك أشياء لا تنتهي،
وإن التفّ حول ملامحها عصبُ
النار،
أو غمرَ الصمتُ أنفاسها.
لا تصدقْ كثيراً من الذكريات، وأنت تدخّنُ
أو تتمشى وحيداً، كمن نسيَ.
الصّمتُ بضع قصائد في الحبر..
عما قليل، ستوقظها شهوات حيادية.
عندما نتذكر أشياء..
ننسى تفاصيل أشياء أخرى.
أنا في الطفولة، أفلتّ خيط السماء،
فحلق بيتي بعيداً..
بعيداً.
ثلاثون عاما مضت، قبل أن أجد الخيط ثانية.
كان بين أصابع كف ابنتي،
مرسلاً..
كالتحيةِ.
ماذا تخال الوصيةَ؟
أرخي الأصابع.. ثمة أشياء تبقى.
***
حارس المخمرة
بدا نائماً، حين مرّوا صباحاً،
فألقوا عليه نكاتاً لها لمعانٌ قويّ
يرجّ مخارج أحرفها.
ثم قالوا له:
عد إلى البيت، واغفُ هناك
لتحرسَ نومك فيه بعينين مغمضتين.
ولم يدر حارس مخمرة الموز، كيف يقول:
ولكنني ميّتٌ.
كان في الأربعين،
بديناً، ومرتبكاً، وقليل الخصال..
ينام على مقعد، في الممرّ، إذا لم ينم
في الصلاة.
وإذ أزف اليوم،
– يا للفضيحة –
مالوا على جسمه.. هلعين.
ومن خجل.. حجبوا برؤوس أصابعهم،
لمعان النكات.
***
أتذكر يوماً مضى
أتذكر يوما مضى،
فألامس قلبيَ.
لا،
ليس هذا حنيناً إلى أيّ شيء،
ولكنه فرَح بالحياة، هنا، الآن،
بي، حالماً
بوقوفي على الباب،
بالمشي فوق الطريق الترابيّ،
بالريح تلفح وجهي،
بحزني.
بما يتمشى معي، كأخ لي،
وما يتأخر مني.
أرى صاحباً من زمان الطفولة،
لا يتذكر وجهي تماماً، وأنسى اسمه.
حذرين، نسير معا قرب أيامنا الذاهبات،
ومرتبكين ..
فلا هو ينظر نحوي، ولا أنا أفضح سري
له.
– هل كبرنا إذن؟
وأقول: كبرنا..
ولكن ما فاتنا في ثلاثين عاماً
أقلّ أهمية من مصادفة تستثير الحنين.
سيسألني عنك:
هل لامستك الحياة، كما كنت ترجو؟
التقينا، مصادفة، وعرفنا طريقين مختلفين
إلى كل شيء
ولكننا لم نسر في الغناء.. الى آخره.
سوف يسأل:
ماذا ستفعل بعد ثلاثين عاما؟
وأضحك:
لا شيء.. أكبر يوماً، وأنتظر الموت
سهران فيه.
أرى امرأة.. فأسير إليها على عجل:
عانقيني طويلاً،
نجوت من الموت هذا الصباح.
.. لحظيَ،
لي جسدان
يبدد أنفاسه واحد منهما.
__________________________
شاعر وصحفي من فلسطين مقيم في الإمارات العربية المتحدة
الصورة من فيلم “حصان تورينو” للمخرج الهنغاري بيلا تار
*****
خاص بأوكسجين