الأحاديث الصحيحة لآخر الغرقى
العدد 243 | 02 أيار 2019
الكيلاني عون


الكيلاني عون

أنا نديمي

شِركي قديمٌ بالذهبِ

وما قلته كان باطلاً للهجير

أَرَقي سويٌّ في منزلةِ الريح

كإلهٍ يجوب الصحراءَ بزوّادةِ غبارٍ وسراب

سيخلق ظِلّاً بلا يدين وشجرةً بعيدةً

ومن سناجب وحشتهِ سيخلق سمكةً

يحبّها وتحبّه ويحبان انكسارَ الرعد بين الكلام

ويضع بينهما خنجراً ومقلاة

والصّدى المنشقّ أشهدُ أن الجواميس وزّعته تراباً

ليلةَ السبت منذ الخميس المعتكف على شرفة الحرب

إذا لم تكن سكرتَ حتى الآن

أو شارفتَ العدد المهزوم لبريق الضّجر الذي اختارَ ماعزه

ودروع مكائده نهباً جليلاً

إذا

لم

تكن

سكرتَ

حتى

الآن

إنّيَ أقتادُ وحدي ما سأفاجئه بمصائر الحلبات

إذا لم يعد حجرٌ لمكانه

طيفٌ لرغد المديح

سأدعوكَ إلى نبيذٍ خيالٍ

وأدعو الأرضَ إلى هدنةٍ فاسقة

وأُخلي المقاعدَ من هجرات الرذاذ المتخلِّف عن مواعيده

أنا الصغير المحاط بلفافات القنَّاصين

وركض العتبات وراء المُهَل مأخوذة بعدلِ المدى

والمدى سروجٌ محنَّطةٌ

وأنا طاعنٌ في استعادة وجهي من الذاهبين

ما الذي زُيِّنَ لهم فرأوه جميلاً

وذهبوا؟

ما الذي قِيِل لهم

فشبَّهوه بالقمر وحين أفلَ أكلوا أصابعهم وأضاعوا كسَّارات المتاه

بشرابٍ صيدليٍّ زيَّنَ الغضارَ

سجاداتٍ من أصفهان

وخوخاً من حدائق مسوَّرة بالنساء

اللواتي يحكنَ مهورَ الأرقِ أرقاً يونانيّاً

ولم يدخلن حمامات إشبيلية

لكنهنَّ نظَّفنَ العسلَ مما يعتريه وقت دخول النصر هزيمته؟

ما الذي اقترفوه حتى اقترفوه؟

لذلك أرضي تجوب معاصرَ الجنِّ

وأنا أجوب نفسي

نفسي وأنا ودفوفٌ أذهلها مشيب الوقت

أمطنا العويلَ عن زينةٍ يتمدّد عليها الانتظار

مسحنا قرنَ الثور بزيتٍ يرتعد في وحدته

وكشفنا عورةَ الميثاق لشهبٍ عجولة

وكتمنا عدد الشهور الممحوّة من التقاويم

ثم أسدلنا منظرَ البهجة الأخيرة

ورأينا أكثر ممّا يعدّون

ضباباً ينفرج عن سفينةٍ تمخر الساعات

وريشاً يتكلّم لغةَ النوم.

سينهض أحدنا ليغلق الباب عائداً نحو الفاكهة المدانة

بالحرام الحلال

والحلال الحرام

إذا

لم

تكن

نجوتَ

حتى

الآن

وأنا أجوب مملكةً تهدِّد قتلاها بموتٍ يُدار على الموتى

لا أروي شكوكاً بل أُعذِّب اليقظةَ بحجل لا يُلْمح

غفلتُ عنهم فكبروا

ابتعدوا كثيراً

وكبروا

هم الآن يزدادون غَرَقاً

كصورةٍ ترتعش في جيبي

هم لا يجيدون اصطياداً ولا شبعاً غير الذي تركوه

لا يجيدون سوى الكتابة على الرمال

يكتبون رسائلهم وأحلامهم على الرمال

 يمرِّرون الرمالَ على ذاتها

ويقصون قُزَح الضَّرِيم سلالاتٍ مزحومة رعباً كالذي ارتجفوه

يزخرفون بحجارةٍ من قاع السهو وصولهم المتردِّد

للمتاه

وينجبون في عزاء الهواء

فخاريات تنكسر بعد قليل

حيث سيأكلهم العشاءُ الترابُ؛

أدندنُ بأسمائهم كيتيمٍ لن يبرأ

فأرى كل صمتٍ يُدار كوثبةِ أرجاء

كل صرخةٍ ريبة شعاعٍ موثقٍ في خدوشِ العتبات

وكل بابٍ وصاية أقدام

وأرى ما رُوِيَ لي بيني ونفسي

أنت تعرف الطريقَ الملفَّقة بين كناياتٍ لا يمكن مجاراتها

بموسيقى لا تجيد الاستماع إليها،

أو بقدحٍ تتجرَّع منه آخرَ ذبابةٍ ليست بداخله،

أيها الفارغ مثل مدينة يرديها ضجيجٌ مبقور البطن

تغادره أشكالٌ نصفها ضباعٌ

ونصفها المنطوي على هزائمه شراشفُ من قصب المعقول

هم رحلوا

هم لا يوطِّدون الأثرَ

لا يوطِّدون المتجانسَ

حزموا لهجات الغيب معفَّرين بما قالوه، هم لا شكَّ، غطّوا الملحَ

وذهبوا مع بخارٍ ملفَّق للهجرات

ملأوا الحقائب بنمالٍ ما زالت تجرّ الوقتَ من ساعده المكسور

 إذا

لم

تكن

كان لدينا ما نبكي عليه

ما نقوِّض براكينَ هتافهِ

ما نشتاقه عسلاً وزبيباً ودرّاقاً  

لا يُطاقُ العسلُ أجيراً خلف الزيت

حاملاً أرغفةً تشرَّبها حذقُ الوريث المذعور

لا يأكلها الضوءُ

لا أحد سيأكل الحوتَ وهو بداخلهِ

لا أحد يخرج من حطام القرين

وحطام الريح

ويا ريح

يا وشاح العروس

مائلٌ هذا النمر على صورة أيامه

يا ريح

مائلٌ صحنكِ الذي تشرب فيه الطيور ما قوَّضته غنائمُ البرق

أيتها الريح،

مائلٌ ووحيدٌ يلمع كزندقةِ الغار يعود زائراً

ليومٍ كان معطفه المبحوح في البرد

متردِّداً كاختلاس العناق على حافّة الضوء

كشهيدٍ يتبرَّأ من دعابات النصر

لا سمع ككلِّ المبيتِ الهريس، لا خريف يُرْهَن للنحل

ولا مقبض لبرهةِ اصغاء.

يا جبل النوافذ

أيّها الوقتُ بأصابعه أصابعِ الزمَّار المسروقة

ليس كافياً ما نشفق عليه، ما نطويه ويطوينا من مسافاتٍ

ما نؤجِّل الثناءَ على جزائر رعشتهِ

وأنتنَّ يا أمهات الرماد ماذا أعددتنَّ لخيال الشفق؟

ليس كافياً ما تُظهرنَ لجلاءِ استدارةٍ نحو البحر

ما تظهرنه عبثاً لكتم القوارب، عبثاً صوركنَّ تنوء بالمكان

ناقصاً الفراشات خجولة بقشور اللون

ممحوَّة وتنقذ المناديلَ من شيء يعضُّ النومَ بأسنان الهدير

دلاءٌ تختلط إزاء البئر،

دلاءٌ تستعير كغيرها كسورَ الأزل المنهوب

وتنحدر بكُناسةِ الحقِّ

إنه المجهول العويل في مقلاة الناموس

أبداً لن يُطلَق سراحُ الفضَّة من سعار الذهب

إذا

لم

تكن

عرفتَ

أعرفُ إذا لزمَ الجسرُ ما ينقص الشرخَ

أعرفُ هذا القميص منذ خيط القمر وأول إبرةٍ من عظام الريح

وأعرف ممحاتي

وما يغلي في قدور الهياج

ما تتقاسمه الخيول المطرودة من رسمٍ على قبعة النوم 

مآثرَ العطر قبل الماء وبعد الماء

ما يُنْسَبُ لعقوق الخروع ودمع اللّبان

وهل

سكرتَ

حتى

الآن؟

سأُلفِّقُ معجزةً للدّهاءِ الرجيم

أُلفِّقُ شعباً ميِّتاً ثم أُحييهِ ثم أردُّ لبراهينهِ

صورةَ الأرض.

إنه نبيذٌ محوٌ سفنٌ في طاسةِ اللّمح

وهذا سند الخزَّافين

هذا إذاً فرح النائمين على ما استيقظوه

شبُّ البثور اللاذع للمكان الفقير

وَشَقُ اللا جهة الهارب بالطوفان

ما استحوذوه من المكان وخسروا فيه خسارتهم

وأنا ثقاتي لا يشرعون النوافذ

ما اعتادوا كنايته أزلاً موشوماً وعولاً وملاءات نديرها

للحريق

ثقاتي لا يملكون شيئاً ولا يبيتون قرب أصواتهم

تركوا منازلهم فانتشر اللغطُ بين النجوم

وساد الرمادُ بين القذيفة والأنين

هذا إذاً غبارُ المتبرِّم بحراسةِ الغبار

الغبار الدابّة المنقّطة كبقرة الدَين الوشيك

الغبار المُرتجَى للغبار

هذا إذاً ما سدَّدوه وماتوا

ما دوَّنوه على حاويات اللسع آخذين عقودَ الولاية 

تحت سماد الشهور ومغسلة الأرواح

ستتباهى قليلاً حناجرهم

وسوف أقتصُّ من رؤياي

وأردّ البابَ على ما سرقوه

أنا نديمي إذاً

لأعتكفَ كأمِّي ضاحكاً من بهرجةِ العدل النائم

في سرير السّخط، ممحوّاً كوشمٍ بطباشير الصداقة،

ليكن ما أرويه تصانيف رايات،

ليكن حلوى النيازك كحُليِّ الرّعد مفتوناً بهبوب الظلال

إذا

لم

تكن

جئتَ

حتى

الآن

إنّيَ نديمي السكران

وهذا الليل المفلس

سرقَ محفظتي

واشترى قمراً

يعادي به من يعاديهِ

*****

خاص بأوكسجين

 

 


شاعر وتشكيلي من ليبيا. صدر له: "لهذا النوم بهيئة صيد ""، و""شائعة الفكاهة""."