إلى رجالٍ سيِّئين مشغولين بقتل العدالة
العدد 242 | 17 آذار 2019
فتحية الصقري


(1)

لا بأس، يمكنك تبديد حقدك على مديرك المتسلِّط، بإرسال تقرير خاطئ عن موظف مجتهد لديك، موظف لا ينام، ولا يأكل، ولا يخرج في إجازاته الاعتيادية، موظف يصرف 80% من وقته للعمل، بينما تجلس أنتَ مرتاحاً على كرسيٍّ فخم، تُقلِّب الجرائد بملل، وتفتح تسجيلات هاتفك الصوتية على نكاتٍ بذيئة، وتتحدَّث كثيراً عن ظلم مديرك، ودرجات أدائك الوظيفي التي تعتقد أنها لا تناسبك أبداً.

لا بأس، لن يعني ذلك شيئاً، إجازة الأسبوع سأقضيها كاملة في مشاهدة أفلام وثائقية عن الغابات، من سينقضَّ أولاً على الآخر، كلهم في حالة مطاردة الفيلة والغزلان والنمور والأسود والبقر الوحشي، أتابع بهدوء هذا الاقتتال العنيف، أتابع بعيون مُغْمَضة؛ كي لا أمرض، وبصوت مكتوم؛ كي لا تجرحني الحقيقة.

 

 (2)

بالأمس كنت أتأمَّل صور عمَّال النظافة المنهمكين بجمع القمامة، القمامة التي تُرمى، بشكل عشوائي، وبلا مبالاة قاتلة، في كلِّ مكان، وأتساءل: كيف يمكننا العيش دون هذه الأيدي النظيفة؟!

 

 (3)

لقد دخلنا المتاهة فعلاً، أقول لكلمة (النجاة)، وهي تقفز في ذهني بين الفينة والأخرى، ولا يمكننا الإفلات، أو الخروج من المشهد، الحافلة لم تعد بحالة جيِّدة، منذ زمن طويل، يتناوب على قيادتها اثنان: سائق أعمى، وآخر مجنون.

 

(4)

 مخنوقون ومحاصرون برجال سيِّئين وأنذال، مشغولين بقتل العدالة، أُرسِل، على نحو عاجل، لأصدقائي، إنهم كثُر، ومن الصعب التخلُّص منهم، أو تفريقهم، واستبدالهم برجالٍ أكفاء، ومخلصين وعادلين؛ لينتج الحقل محصولا وفيراً وجيداً، علينا فقط أن ننتظر أكثر، أن لا نُفْرِط في استخدام المُخيِّلة، وتصديق كلمة الأمل علينا، أن نحتفظ بحبِّنا للعمل لأنفسنا فقط.

 

(5)

أكتفي في هذه اللحظة بهذا الشعور القاتم والمليء بالحزن، بمشاهدة فيلم عن الكلاب الوفيَّة لأصحابها، الكلاب الحنونة والطيِّبة؛ لتكبر أمنيتي بالحصول على كلب يوما ما.

 

 (6)

عندما أعود لتحليل ما يحدث، ألتقي بخوفك الشجاع المنقضِّ على نجمة لامعة، بيديه الشرستين، ألتقي بأحقادك المُلَوَّنة، تضحك في منتصف الشاشة، غير مصدِّقة، أنها تستطيع قتل جهد عام، كامل بضربة واحدة على الكيبورد، من سيصفِّق لك؟ لقد حوَّلتَ شلالاً متدفقاً إلى بحيرة ساكنة، حوَّلت خيول السباق إلى سلاحف صغيرة، تعتقد، الآن، أن وجه النجمة مشوَّه، لكنه- كما يقول الجميع- لا يزال لامعاً نابضاً بالحياة، ولم يصب بأذى، وأنَّ الخيول لا تزال تركض تركض، بإصرارٍ في ميدان السباق.

عليك أن تعود لمرآتك إذن؛ لترى وجهاً مشوَّها بعينيه الكاذبتين، ينظر إليك.

 

(7)

أخرج بقصيدتي في الوقت الذي يتظاهر فيه الجميع بالنوم، مقتصدة في الظن، منتظرة، كأن الأحد يمكن أن يكون باباً مفتوحاً، تخرج منه القلوب مبتسمة.

 

 (8)

تحذير: عندما تلتقط صورة لرجل طيِّبٍ يضحك في وجهك، تريَّثْ، قبل إرسالها، انظر إليها مراراً، ستجد رجلا آخر (رجل سيء يُلقي مخلَّفات روحه الملوَّثة في وجهك).

 

(9)

مصابة بالحَيْرة والعجز، مثل أخطبوط عالقٍ في وكر ضيِّق، بآليَّات دفاعية ضعيفة؛ لمواجهة الأخطار.

 

(10)

في 2018 كنتُ البنَّاء والمحاسب والمنسِّق، والطاهي وغاسل الصحون، والصيَّاد والمُعِدَّ، والمحرِّرَ والكاتب والمصوِّر والناشر، وكان الخمسة (تفق برزة).

أصوات المحيطين المشجِّعة، كانت تصيبكم بالغضب الشديد، في كلِّ مرَّة، أخرج فيها بعمل مختلف، وناجح؛ لذا كان عليكم أن تفعلوا ما باستطاعتكم؛ كي تخفت هذه الأصوات، لقد منحتموني تقريراً سنويّاً سيِّئاً، لكن لماذا لا تزال أصواتُ الحقيقة عالية، ولم تخفت؟!

*****

خاص بأوكسجين

 


شاعرة من عُمان. صدر لها: "جمهور الضحك"" 2016، و""أعيادي السرية"" 2014، و""قلب لا يصلح للحرب"" 2014، و""نجمة في الظل"" 2011."