أنظر للريح وأتخيَّل أنني مرئي
العدد 240 | 11 كانون الثاني 2019
الكيلاني عون


شيطاني الصغير

شيطاني الصغير

لا أدري أين وقع مني

كان في جيبي

يتأمّل العالم بابتسامة عريضة

وينبئني بهلال الصمت

وساعة النزوح إلى بكاءٍ آمن

يخيَّل إليَّ أحياناً

أنني أنا الذي وقعتُ منه

وأنه الآن يعاني

ولن يجد جيباً فارغاً وضئيلاً

مثل بلدته القديمة

 

اكذبي قليلاً وكثيراً

اكذبي قليلاً

يمكنني التنفّس جيداً من خياشيم سمكة أسيرة

تحت مياهِ نظرةٍ ما

لن تقتلني كذبة لم تبدِّل أسنانها بعد

قولي لي مثلاً أن الشوارع بخير

وأن الأطفال يحتفلون كالفراشات بكل الأعياد

وأن الهدهد اليوميّ سيحمل عرشَ الفرح

وأن هذه الريح

هذه الريح القاسية

ليست سوى أغنية بحَّارٍ سعيد

اكذبي كثيراً

قولي ربّما سنلتقي مثلاً

ربّما لا غير

 

أنظر للريح وأتخيَّل أنني مرئي

قرّرتُ أن أكون شيئاً عاديّاً

رجلاً يغتسل بذنوبٍ لم يرتكبها

عودَ ثقابٍ احترقَ وانتهى الأمر

رسالةً سقطت من شباك القطار

لغماً لا يقترب منه أحد

كتاباً تركض صفحاته مثل حصانٍ مجنون

حلماً يعدّ القهوةَ لشبحٍ مقتول.

قرّرتُ الاحتفال بكل تلك الأشياء

التي لا تحدث

لكنني حتى الآن

أنظر للريح وأتخيَّل أنني مرئي

 

أعرفُ رجلاً ميِّتاً

أعرفُ رجلاً ميِّتاً

كل مساءٍ يخرج من قبره

يمارس عاداته اليوميّة:

يطرق باب منزله الريفي

يركض أطفاله بكيس الهدايا

وزوجته بوجبة العشاء

يحدِّثهم عن مشقّةِ التراب المدفون في صدره

يحدِّثونه عن غلاء الأسعار بينما الحرب لا تتوقّف

عن السخط والخطف والبكاء

تقول له زوجته: لا تتأخّر غداً؛

وعند انتصاف الليل

يتفقّد الأبوابَ والنوافذ

عائداً إلى متحفه الرمليّ

حيث ينتظره ملاكٌ يرتجف من البرد

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وتشكيلي من ليبيا. صدر له: "لهذا النوم بهيئة صيد ""، و""شائعة الفكاهة""."