الإقلاع عن التدخين
العدد 271 | 18 حزيران 2022
أورهان باموق


 

مرّ 272 يوماً على إقلاعي عن التدخين. أظن أني قد اعتدت ذلك الآن. خفت حدة توتري ولم أعد أشعر أن عضواً من جسمي قد بُتر. لا، تصحيح: لم أتوقف بعد عن الشعور بالنقص، لم أتوقف بعد عن الشعور بأنني فُصلت عن كلّي الكامل، كل ما في الأمر أني اعتدت الآن على هذا الشعور؛ وبتعبير أدق، لقد قبلت بالواقع المرّ.

لن أدخن مجدداً، لن أدخن أبداً.

أقول ذلك وما زالت تراودني أحلام يقظة أجد نفسي أدخن فيها. إن قلت إنها أحلام يقظة سريّة للغاية، مرعبة للغاية، لدرجة أننا نخفيها حتى عن أنفسنا… هل ستدرك معنى ذلك؟ على أي حال، ستكون تماماً وسط أحد أحلام اليقظة تلك، وأياً كان ما أفعله في تلك اللحظة بالذات، كما لو أنني أشاهد الفيلم الذي هو حلمي يمضي ببطء إلى ذروته، فإنني أشعر بسعادة كما لو أنني أشعلت سيجارة للتو.

إذاً كان ذلك هو الهدف الأساسي من التدخين في حياتي: إبطاء الإحساس بالمتعة والألم، الرغبة والهزيمة، الحزن والفرح، الحاضر والمستقبل؛ وبين كل كادر وآخر، لأجد طرقاً ومعابر مختصرة جديدة. حين تختفي هذه الإمكانيات، يشعر المرء بأنه عارٍ تقريباً. أعزل ومغلوب على أمره.

ركبت مرة سيارة أجرة وكان سائقها مدخناً شرهاً، وكانت السيارة عابقة بالدخان الكثيف الرائع الذي أخذت أتنشقه عميقاً.

“عذراً” قال الرجل بينما يفتح الشبّاك.

“لا، اتركه مغلقاً فقد أقلعت عن التدخين.” قلت.

قد يمضي وقت طويل لا أتشهى فيه سيجارة، لكنّي عندما أفعل، فإن توقي إليها يأتي من أعماقي السحيقة.

لقد عاودتني إذاً نفسي المنسية، أناي المحجوبة خلف الأدوية والتلفيقات والمحاذير الطبية. أريد أن أكون ذلك الرجل الآخر، أورهان الذي كنته قبلاً، المدّخن، الذي كان مصارعاً أفضل للشيطان. السؤال الذي يتبادر إلي حين أتذكر نفسي من قبل ليس إن كان عليّ أن أشعل سيجارة في الحال، فلم أعد أشعر بالاحتياج الكيميائي كما في الأيام الأولى، إلا أنني أفتقد نفسي السابقة، على نحو مشابه لافتقاد صديق عزيز، افتقاد وجه. كل ما أريده هو أن أستعيد الرجل الذي كنته يوماً. أشعر كما لو أنني مجبر على ارتداء ملابس لم أخترها أبداً، كما لو أنها جعلتني أبدو كرجل لم أتمنّ أن أكونه يوماً. لو دخنت، سأشعر مجدداً بكثافة الليل، برعب الرجل الذي ظننت يوماً أنني كنته.

حين أتوق للعودة إلى ذاتي القديمة، أتذكر أنه في تلك الأيام كانت لدي إشارات غامضة عن الخلود. في الأيام الخوالي، لم يكن للوقت أن يهرب، وحين أدخن، أحس بسعادة عارمة أو يأس شديد، لدرجة اعتقدت فيها أن كل شيء سيبقى على حاله. حين كنت أدخن غير عابئ بشيء، كان العالم راسخاً في مكانه.

بعدها بدأت أخاف الموت. فالرجل المدخن قد يسقط ميتاً في أي لحظة؛ الدراسات مقنعة جداً بهذا الصدد. لأحافظ على حياتي، كان عليّ أن أغفل المدّخن وأصبح شخصاً آخر. وقد نجحت بذلك. والآن، ذاتي التي هجرتها قد ضمّت قواها مع الشيطان لتدعوني مجدداً إلى الأيام التي كان الوقت فيها أزلياً ولا أحد يموت.

دعوتها لا تخيفيني.

فكما ترى، فإن الكتابة – إن كنت تحبها – تضع حداً لكل الأحزان.

*****

خاص بأوكسجين