هذا عدد عن سورية، عن الأمل بمستقبل سورية ربما! والجميع يتكلم الآن، كلٌّ يثري حوار السوريين بما يقول، على الأرض، في سورية وساحاتها، في شوارعها وأزقتها، شفاهياً وافتراضياً، تسجيلياً وتصويرياً، وكل يرى حريته، يعيشها، يعاينها للمرة الأولى، أما نحن في أوكسجين فنكتب، نتأمل ونكتب، نستعيد ونقارب ونطلق العنان لكل ما يحتكم عليه الإنسان السوري ونكتب، لا حدود ولا محددات سوى حريتنا في مقاربة كل آمالنا وهواجسنا وتطلعاتنا، ممارسين ما نعرفه جيداً ألا وهو الإبداع، “حرية الإبداع وإبداع الحرية” العبارة المفصلية التي تأسست عليها أوكسجين.
هذا عدد يحيي أعداد أوكسجين عن سورية والثورة السورية، منذ العدد 125 (31 – 03 – 2011) وصولاً إلى العددين 126 و127، وقد كانت دعوة وجهت لعدد من الكاتبات السوريات والكتّاب السوريين جاءت على هذا النحو:
“تتطلع أوكسجين أن تخصص العدد 125 لأن يكون مقاربة أوكسجينية للواقع السوري وفق رؤى جديدة متطلعة أو عبر رصد ماهية الحياة السورية ضمن رؤية الكاتب/الكاتبة. وبكلمات أخرى، تقديم بورتريه للحياة الشخصية في سورية عبر أحلامها وخيباتها، واقعها وتطلعها واشتباكها بالثورة السورية وما نشهده حالياً وآفاقه وكل ما يشكل بانوراما سورية إبداعية لاشتباك المبدع بالسياسي والثقافي والديني والطائفي والاجتماعي والاقتصادي”.
أما في هذا العدد فقد جاءت الدعوة على هذا النحو:
تجتمع في ما شهدته سورية من سقوط لنظام الأسد، وما تشهده وستشهده بأن أمسى نظاماً بائداً، كل ما له أن يكون مفصلياً في التاريخ: نهاية وبداية. منعطف ومفترق. فجر جديد ومنطلق نحو المجهول، مجهول لنا أن نعرفه أو نعرّفه، نتبينه أو لا نتبينه، لكنه في النهاية أمل… أمل بالجديد، بالمغاير، بالمختلف! وقد تخلّص السوريون من صخرة صماء أخمدت أنفاسهم لعقود، واحتكرت الأمل بأن صيّرته يأساً!
في هذا السياق فإن مجلة أوكسجين تدعوكم للمشاركة في عدد خاص عن سورية، عن الأمل في سورية جديدة، نسعى من خلاله إلى معاينة هذا الأمل وتلك الإمكانية سردياً وقصصياً وشعرياً، وصولاً إلى كل أنماط التعبير الحر التي تتيح معاينة المستقبل، رصده، تخيله.
وما بين هاتين الدعوتين ما يقرب 13 سنة، وقد غيبت الأعداد السابقة جراء حملات القرصنة المتوالية التي تعرضت لها أوكسجين، وفي أشرس هجمة تعرضت لها المجلة/الموقع (8 شباط/فبراير 2016 ) أزيلت المجلة من على سطح الإنترنت، ولولا وجود صديق أوكسجين الغالي أحمد إسماعيل، والمتفاني في حبه لمجلتنا وتجربتها لما استعدنا أي عدد من أعدادها، ولما استمرت وهو يُفشل محاولات ما زالت مستمرة حتى تاريخه!
لا أعرف إن كان ذلك من محاسن الصدف طالما أن التفكير متجه نحو إصدار أعداد سورية ورقياً في محترف أوكسجين للنشر لتكون الكتاب رقم 3 من كتب أوكسجين، أو أن القرصنة كانت من محاسن الصدف لأنها أنقذت كتاباً وكاتبات كانوا في سورية وما زالوا حتى تاريخه وقد قالوا لي حينها “من الجيد أن أوكسجين لم تستعد تلك الأعداد!”
اليوم سنستعيدها، سنوثقها في كتاب، وكلنا أمل وتطلع! وها هنا أستعيد من تلك الأعداد المقرصنة بيان أوكسجين في العدد 125، كما لو أنه صالح تماماً لهذه الأيام المفصلية في تاريخ سورية:
إما أن نكون أو لا نكون، هذا هو سؤالنا السوري وإجابتنا بأننا كنا وسنكون ونبقى سوريين رغماً عن كل من يتعاملون معنا كدريئة للموت، رغماً عمن قتلونا وتركونا جثثا في الشوارع، من يعتقلون، من يتآمرون، من يندسون، من يخطفون، من يخربون، سموهم ما شئتم، وليكن الفاعل كائنا من كان، استخدموا ما شئتم من صفات ونعوت أطلقها النظام والمعارضة وما بينهم، خلفهم أو أمامهم،، سورية فوقهم جميعاً، سورية يا سورية، يا آلهة، يا بشر، يا حجر، يا سهول، يا جبال، يا وديان، يا سماء، يا أرض، يا خوف، يا شجاعة، يا موت، يا حياة، يا شهداء، يا قتلة، يا مغيبين، يا معذبين، يا ناجين، سورية الحرة أولاً، سورية الحرة أولاً، لن يحرمنا أحد المواطنة بعد الآن، ليسقط الطائفيون، ليسقط من روَّعنا وعسكرنا وسعى إلى تحويلنا إلى طوائف وقبائل وعشائر، لا نريد أي فعل بالأدوات نفسها، الثورة التي تكون دعوة للقتل والقتل المضاد ليست ثورة، السوريون يبتكرون ثورتهم خارج كل ذلك، نريد أن نتحاور، أن ينصت بعضنا لبعض، أن نؤسس لما يعد بما يتخطى ما عشناه طويلا جدا، نريد لسورية أن تعبر إلى غد أفضل، إلى ما يشرق ويضيء ويبني.
ليكن كل ما يحيي ولا يميت، لن نسمح لأحد أن يعيدنا إلى الخلف وإن كنا في خلف الخلف، وهؤلاء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم هم معبرنا، شهداء سورية التي لا يملكها إلا السوريين، الشهداء الذين خرجوا سلمياً إلى الشارع وكل ما يتوقون إليه الحرية ووطن أفضل.
وأوكسجين التي تتنفسكم لا تمتلك إلا أن تراهن على نقائكم وشغفكم بالجمال السوري الذي ما زال متواصلاً رغم كل التشويه الذي ألحق به على مرّ هذه السنوات من أعمارنا، الجمال السوري المفتوح على مصراعيه لأن نبني سورية جديدة في وفاء تام لهذا الجمال.