يتعامل الفيلم الروائي القصير “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375” للمخرج المصري عمر الزهيري مع قصة أنطون تشيخوف الشهيرة “موت موظف” أو “العطسة”، ومن منا لا يعرف قصة تلك العطسة، التي كلّفت تشرفياكوف حياته وهو يسعى للاعتذار من الجنرال بريزجالوف الذي يعمل في مصلحة السكك الحديدية؟ لكن الزهيري يأخذها إلى مساحات أخرى لها أن تكون على اتصال بالواقع المصري وإن لم تتخل أيضاً عن قدرتها المجازية العابرة للقارات، ولا يكتفي بمعالجة هذا النص الأدبي لوحده بل يمزجه بأجواء كافكاوية، فالزهيري مأخوذ بأدب كافكا وعوالمه، إذ إن الموظف محاصر بكل ما صيغت عليه قصة كافكا “التحول”، فالبيروقراطية وعبثية الحياة الوظيفية كفيلة بمسخه أيضاً، كما هي السمكة الكبيرة المحبوسة في حوض صغير جداً ، كما هو الطعام الذي يأكله الموظف وزوجته، إذ يكفي التأمل بعنوان الفيلم لتعرفوا كم تلتقي الكوميديا بالعبث فيه، وهذا ما يهمين على الفيلم الذي يبدأ بحفل تدشين وسط الصحراء، وحين ينتهي التدشين وقد عطس أثناءه الموظف، يبقى ذاك الموظف وحيدا مع حجر الأساس في صحراء مترامية، ولتنطلق بعد ذلك رحلته في الاعتذار من المدير الذي كان يضع حجر الأساس.
سعى الزهيري (في رصيده فيلم روائي قصير آخر بعنوان “زفير” 2010) من خلال “ما بعد وضع حجر الأساس..” إلى تقديم كوميديا سوداء، وهي بحق كذلك، ولعل كل عناصر الفيلم اجتمعت وتناغمت لإعطاء جرعة مميزة وخاصة من هذه الكوميديا السوداء: لقطات طويلة ثابتة، حوار لا يتجاوز بضع عبارات، وتقطيع مونتاجي ينتقل من مشهد إلى آخر كما لو أنها وحدات مكانية زمانية متصلة ومنفصلة في آن معاً، ضمن خط درامي منتظم، وقد وجد أسلوبه السينمائي في المزج بين روي أندرسن وجاك تاتي وايليا سليمان.
فيلم “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمّام بالكيلو 375” نتيجة جميلة ومميزة لكل ما تقدم من أساليب أدبية وسينمائية، جرى توليفها في تناغم جمالي وإيقاع وفي تماماً للمناخات والمجازات التي أراد أن يستخلصها الزهيري من تشيخوف على مدى 18 دقيقة مصاغة بحنكة.