“فهود في المعبد” .. أقدام ضخمة وأنف نسر عملاق
العدد 148 | 24 آذار 2014
زياد عبدالله


إنه كتاب لعين، هذا الذي عنوانه “فهود في المعبد” للناقد الألماني ميشائيل مار، لا لشيء إلا لأنه يدخل من النافذة لا من الباب، ولا يستأذن السيد أندرسن ولا السيد كافكا ولا السيد بروست ولا السيدة وولف ولا السيد موزيل، ولا كل أولئك السادة الكتّاب العظام الذين يجهز عليهم وعلينا معهم نحن القراء المساكين، ولكل كاتب من هؤلاء الذين قرأنا رواياتهم الهائلة مترامية الصفحات، وكل ما وقع في أيدينا من كتاباتهم أو ما كتب عنهم، لكل واحد (واحدة ربما هذه تخص فرجينا وولف فقط) يكتفي ببضع صفحات لا تتجاوز العشر من ذات القطع المتوسط ليضيء ما نجهله مازجاً حياته الشخصية بأدبه وخلاصات متأتية من تحليل تفسي أو أدبي، والانقضاض عليه من جهة أخرى غير المتن – أي المنجز الروائي – بل من خلال الرسائل أو اليوميات، وصولاً إلى الملاحظات التي يكتبونها على الكتب التي يقرأونها، ففن مارسيل بروست حسب فرانسوا مورياك “يمتلك عدم الاكتراث الذي تتميز به الشمس، وليخلص مار إلى أن “البحث عن الزمن المفقود” هي الشمس الباردة لفنه، وتحتها يقع البحر البراق لمراسلاته التي لا تنتهي، ولعل هذا يضيء تماماً الآلية التي يتأسس عليها هذا الكتاب الممتع.

في الكتاب نحن حيال فرضيات أو فرضية واحدة تتأسس عليه مقاربة كل كاتب، وهكذا يجري فتح كل السبل المفضية إلى عالم الكاتب الذي تتناوله المقالة، وهذا سيكون واضحاً مع أول مقال عن هانس كريستيان أندرسن، إذ أن الكلام يكون بداية لمخترع المجال المغناطيسي هانس أورستيت وهو يتنبأ لكاتب مغمور هو أندرسن بأن “رواياته قد تجعله مشهوراً، حكاياته الخرافية ستخلده”، ومن ثم ستقع على أندرسن في أطوار عدة تهيمن عليها حياته الشخصية، بخله، عزلته، هو الذي له “أقدام ضخمة وأنف نسر عملاق وعينا خنزير وذراعان طويلان متدليان وجسم نحيل وفارع الطول”. وصولاً في البحث فيما إذا كان مثلياً، هو الذي كان يكره رائحة النساء.

البحث عن ما إذا كان الكاتب مثلياً سيطال كافكا الذي لا يجزم بأمره الكتاب، لكنه يجد معبراً إلى ساديته أو مازوشيته، من خلال فشله في علاقته مع المرأة، وظلال ذلك في أعماله هو الذي كان “يخشى الحب الجسدي، إن لم يكن يحتقره. أين تكمن المشكلة؟ يمكن تفسير مخاوفه من الواجبات الجسدية، بخوفه من العنة، أو بعدائه عموماً للجسد. لكن من الممكن أن يكون هناك أيضاً شيء آخر وهو الإحساس بدنس الانجذاب لنفس جنسه”.

في تنقلات الكتاب بين الكتّاب كما أسلفت سيكون دائماً هناك مفتاح للعبور إلى هؤلاء الكتّاب، فيمكن أن نجد في “الشيطان” مفتاحاً لمنجز توماس مان الروائي، وتتبع له بدءاً من “دكتور فاوست” إلى “الجبل السحري”، أما روبرت موزيل  فسيكون ذلك من خلال “الحسد” أو “الضغينة” وبالتأكيد “الوساوس” التي تتيح له أن يكمل رواياته العظيمة “الرجل الذي لا خصال له”، فهو “كان يقوم بتسجيل استمتاعه بكل سيجارة على حدة والوقت الذي استغرقه ذلك في دفتر خاص.. ويعد نوافذ البيوت أثناء قيامه بالمشي في شوارع فيينا، ثم يقوم بتسجيل مجموعها في دفتر يومياته. ثمة وسواس مرضي كان السبب أيضاً في تعثر كتابته، التي عُرف عنها أنها كانت بالدرجة الأولى عملية إعادة صياغة، إذ لا بد أن يتتبع كل إمكانية جديدة حتى يصل بها إلى طريق مسدود”.

ما تقدم أمثلة لمن تناولهم الكتاب الذي يصل إلى نابوكوف و”لوليتا” وعقدة لوليتا المترامية في أدبه، لامبيدوزا صاحب التحفة الأدبية “الفهد” التي نشرت بعد وفاته وقد رفضتها كل دور النشر التي قدمها إليها، والمتدين العجيب تشيسترتون، وبروست الانجليزي “أنتوني بول” وآخرين. ولعل الأهمية القصوى للكتاب لا تأتي فقط من معاينة الحياة الشخصية للكتّاب، لكن الكيفية التي يؤسس عليها مار مقاربته النقدية وفق تلك الحياة، والخروج بخلاصات نقدية استثنائية، ستكون كل مؤلفات الكاتب طيعة وموظفة في خدمة هذا السياق الممتع والغني. 

 

الكتاب: فهود في المعبد

تأليف: ميشائيل مار

ترجمة: أحمد فاروق

دار النشر: مشروع كلمة – أبوظبي

عدد الصفحات: 170 من القطع المتوسط

اسم الكتاب

اسم الكاتب


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.