أربعون الغواية: أحلام يقظة للمعترات نفسياً
العدد 284 | 18-3-2024
نوف عيسى


أن تبقى وحدك في الزاوية، وترى عالما يفترض بك أن تعيشه، لست قريباً بما يكفي لتنغمس به، ولست بعيداً كفاية فلا تراه، ولا تشعر به، تقف من مسافة كافية للشعور، بالألم والحب والخوف والرعشة، يقشعر جسدك عندما تمر الأشياء بجانبه، وكأنها حقيقية.. لكنك لا تصدق بحقيقة وجود أي شيء.. عدا هذا الظلام الممتد في رأسك.

متى سأبلغ الأربعين؟ بأي حالة عقلية سأصل لهذه السن، إن كنت منذ الآن أتأرجح بين العقل والجنون، هل سأجر اكتئابي معي إلى الأربعين؟

أريد أن أهدي أحداً ديوان شعر، ولكني لست قارئة للشعر، تنتابني رغبة عميقة بكتابة الشعر لكني لست شاعرة، أود أن أفعل أشياء ليست أنا، لا أعرف كيف أقوم بها، هناك رغبات كثيرة لا أستطيع أن أضعها في ترتيب منظم، وليس لها أولويات، سأفعل أي شيء أستطيع القيام به في وضعي هذا، سأقرأ الشعر بصوت عالٍ كما لو كنت متيمة بالشعر منذ المراهقة، وسأمثل دور امرأة في الأربعين، تريد الثقافة إنهاء دورها، لكنها مليئة بالغواية والجمال، امرأة تعرف كيف تقرأ الشعر العربي وهي تسمع أغنية “Tomorrow is my turn” لـ”Nina Simone”..

سأدور حول نفسي، حتى تختفي الأشياء.. سأظل أدور وأدور وأدور.. سمه عبثًا إن شئت، سأرقص بسرعة، بسرعة كصوفي يريد التجلي.. سأدور وأدوخ وأفقد عقلي لأصل إلي..

ليتكشف وعيي أمامي، دون أن يختبئ وراء كلمات الآخرين، لتكن الكلمة من هذه الكتابة قصيدة، سأكون شاعرة، سأكتب قصائد بلا قوافي، سألقيها في مقهى بلا زبائن.

ليكن هذا الهراء شعراً.. من يحاكم امرأة في الأربعين ترقص بخفة في دوائر على أنغام موسيقى الجاز..

المشهد أجمل من هراء النقّاد.. لا يمكن إيقاف جمالٍ كهذا.. أو الحكم عليه بالانتهاء.. من يحترم الجمال سيحترمه..

يطيب لي أن أتوقف للتفكير في أقدام تلك المرأة الراقصة، في الواقع.. أميل إلى تأمل أطراف الناس عادة، ولكن أن أغرق في تأمل أطراف امرأة من خيالي، أمر أكثر من اللازم.. إنه كما لو كنت مولودة بعطبٍ ما.

تبدو قدماها جميلة رغم تلك التشققات الظاهرة في كعبها، هل كانت في حياتها السابقة راعية أغنام؟ لقد بدأت ساقها تترهل، أحب أن يكون عليها وشم ما، ما الذي سأرسمه على ساق الأربعينية؟ ليكن رسمًا صغيرًا للقمر في نهاية الشهر، على شكل قوس، تتوزع عدّة أهلة موشومة على ساقها اليمنى، بينما ساقها اليسرى صافية كجلد راهبة لم تقربه إبرة واشم أبدًا.

لتكن امرأتي الأربعينية بهالات، ليكن شعرها أحمر، ليكن جسدها حائراً بين شبابها الذي لم ينته بعد، وبين كهولته التي يريد له العالم أن تبدأ. ليكن حائراً في المنتصف.. لديه القدرة على الرقص، في دوائر، والتعب حد الإعياء. كم عمراً يضيع لهذه المرأة بين رقصتين يفصل بينهما إعياء طويل؟

في الخلفية:

Tomorrow is my turn.

No more doubts no more fears

Tomorrow is my turn.

When my luck is returning

All these years I’ve been learning to save fingers from burning,

Tomorrow is my turn.

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة وناقدة من السعودية