محاولات
العدد 290 | 1 تشرين الثاني 2024
حسنين حيدر


المحاولة الأولى: أن تحب 

ظننت أني سألقى كل الحب في هذا العالم

وأني بالحب سأعيد تركيب القطع المفقودة

خالقاً جسداً آخر

روحاً أخرى.

 

تقهقر الجسد

سجنت الروح في علبة صغيرة

وتحلل العالم.

 

ظننت أن النعيم يكون مع من يراني متفرداً

خارقاً

كاملاً.

فإذا بالكمال يمسي مرادفاً للسأم

والقديسين والأنبياء مدعاة للرأفة.

***

المحاولة الثانية :أن تكون أخلاقياً 

هناك يجلس على مقعد الحديقة

الرجل الحالم

ذو الخيال الخصب

والمعرفة التي لا فائدة منها.

يجلس الرجل

الذي يحب الورد والدماء

الذي يقرأ شعر محمود درويش كل صباح.

الرجل الوسيم الماهر

خيالهُ جامحٌ الآن

مثلما يكون دائماً وسط الطبيعة

يرى أطفال يلعبون فيهجس:

ماذا لو لعبت معهم؟

ماذا لو عدت طفلاً؟

ماذا لو كان في يدي مسدس؟

ألا كنت قتلتهم؟

أي متعة ستكون؟

جفل الرجل الحالم

الرجل ذو الخيال

الذي يقرأ شعر محمود درويش كل صباح…

***

المحاولة الثالثة: أن تضطر للحفاظ على أقنعتك

 

لا توجدُ أقنعةٌ لليوم

لذا

ثمة ضرورةٌ لأستخدم وجهي

لكن عبثاً

فوجهي يحترق منذ مدة ولا أستطيع إطفاءه

أركض لأقرب الأقنعة

لئلا أسأل نفسي:

من أنا… يا ترى؟

***

المحاولة الرابعة: أن تنتظر 

 

في الأكاديمية

يقف المحاضر ومن خلفه شاشة

تعرض فيلماً عن حربٍ ما.

الحروب كثيرةٌ

كذا الفرضيات حولها

ودارسيها

وضحاياها.

في الفيلم

انفجارات متوالية

قذائف تنتزع البيوت

تمحق الجنود والبشر

قبل إنتهائه

تركز الكاميرا على عين الطفل وهي تنطفئ…

لم تثر تلك اللقطة انتباه أحد

لم يسأل عنها أحد في المحاضرة

لماذا اختلف موت الطفل عن غيره في الفيلم؟

الأطفال في الحروب هم فقط من يدركون الموت بشكله الخام،

فكل شيء قابلٌ للعب

الشظايا

الأعضاء

وصولاً إلى جروحهم.

***

المحاولة الخامسة : أن تختار بين السكاكين والرصاص

أنا في السيرك، أقفُ على الحبل، أمسك العصى من المنتصف. أسير ولا أصل إلى النهاية، أسقط على الأرض المملوءة بالسكاكين ومع كل سقوط يصفق الجمهور ويرميني بالورود. أصبح السقوط طقساً وعادة؛ فقد جاء الجمهور ليرى جسدي ممزقاً، وليس وارداً أن أخيبه.

ينتقل السرك لمدينةٍ أخرى والجمهور هو ذاته؛ يصفق ويرمي الورود الحمراء لتختلط بدمي.

ذات مرة جربت الوصول الى النهاية، رغم معرفتي بكره الجمهور للنهايات؛ وكرههم أن يصبح شخصٌ مثلي بطلاً. حين قاربت النهاية، بدأ الجمهور بالصراخ: الحرب قادمة أيها القذر… الحرب قادمة!

السكاكين

السكاكين أفضل من الرصاص!

نعم…

الحرب قادمة…

قفزت

واخترقت السكاكين جسدي

لكن السيرك كان خاوياً

لقد بدأت الحرب….

***

المحاولة السادسة: المحاولة 

سمفونية مالر التاسعة

خمسة أقداحٍ من الفودكا

العذاب جراء التفكير بالمستقبل

الرضوخ لما يمكن ان تصبح عليه

الأرق بشأن ما يلي

الظروف التي تنساب بين اصابعك

الزمن وهو يركض باتجاهك

ولا شأن لك بما سيحصل

العالم

العالم الذي يحترق أمام عينيك.

 

كل ما يحزنك الآن

هو قصيدةٌ لشاعرٍ آخر

ليس لجمالها

بل لإدراكك بأنك لم تكن شاعراً يوماً.

وليس على من لم يولدوا للشعر

إلا المحاولة

فحاول

حاول وابتهج.

*****

خاص بأوكسجين


ؤكاتب من العراق، مواليد 2002. «كافكا البغدادي» هو أوّل إصداراته.