القتل متبوعاً بالضحك، و للعصابات المتجهمة أيضاً أن تكون مصدراً للفكاهة، وهي كذلك سينمائياً وواقعياً إنها فكاهة “الغانغستر” والملهاة التي تطفو على الشاشة وهي ترتكب المآسي. المخرج النرويجي هانس بيتر مولاند في فيلمه “وفق تسلسل الاختفاء” (In Order of Disappearance) له أن يقودنا إلى القتل المتبوع بالضحك وليس الموت ضحكاً، ولعل الفيلم متأسس على ما أسس له بقوة تارنتينو والأخوان كوين، من دون أن نغفل عن الفيلم خصوصيته أيضاً الآتية من جوانب عدة، أولها البيئة الاستثنائية التي تجري فيها أحداث الفيلم، حيث الثلوج تغمر كامل مساحة الفيلم، وهو فيلم بالأبيض كلون استثنائي يستحوذ بصرياً على من يشاهد الفيلم، ونيلس (ستالن سكارسغارد) يعمل على آليات متعددة مهمتها فتح الطرقات التي تغمرها الثلوج، وهكذا نجد الآلية الضخمة تزيح الثلوج وترمي بها يمنة ويسرة على طرفي الطريق، ولتنطلق الأحداث كلها ومنعطفاتها من لحظة تلقّي نيلس نبأ وفاة ابنه بجرعة زائدة من المخدرات، وهو يقول لضابط الشرطة: «ابني لا يتعاطى المخدرات»، بينما الضابط يقول له: «إن كل الآباء يقولون الشيء نفسه»، لكنه سرعان ما يثبت صحة رأيه، ولكن بعد أن تهجره زوجته، وقد تركت له رسالة لم تكتب فيها حرفاً واحداً، مغلف يفتحه ليقع على ورقة بيضاء، فابنه كما سيكتشف قُتل على أيدي عصابة، وموضوع الجرعة الزائدة تمَّ عن طريقهم، وهناك سيكشف نيلس عن قدرة خارقة في القتل وتصفية أفراد العصابة بدءاً من أصغرهم وبالتوالي، ووفق تسلسل الاختفاء، كما عنوان الفيلم، فلازمة الفيلم الرئيسة تكون بأنه كلما قتل أحدهم تظهر شاشة سوداء عليها اسم المقتول وفوقه علامة الصليب، أو أية علامة أخرى لها أن توضع على القبر، وهكذا سيمسي الأمر بالتوالي، وسيتكرر أيضاً قيام نيلس بالتخلص من كل جثة بالطريقة نفسها عبر لفها بما يشبه السياج المعدني ورميها من على شلال هائل.
ستتعقد الأمور مع وصول ذلك إلى زعيم العصابة الطريف والمأزوم في علاقته مع طليقته وابنته، وستدخل على الخط عصابة صربية، كون زعيم العصابة التي ينتقم منها نيلس لن يتبادر إلى ذهنه أن هذا فعل انتقام شخصي، بل هو من صنيع العصابة الصربية المنافسة في تجارة المخدرات.
لن نخوض في تفاصيل الميتات الكثيرة التي سنشهدها والتي ستكون مدعاة للضحك والطرافة، بما فيها قطع الرأس وكل تلك القسوة التي بإمكان مخرج الفيلم أن يحولها إلى ملهاة، لنكون حيال ملهاة القتل وليس التراجيديا، ولعل القول إن مخرجه مولاند قد قدّم لنا فيلماً خاصاً وجميلاً مرر من خلاله الكثير أمر له من الحقيقة الكثير، والشاشة السوداء التي تحمل أسماء القتلى تزدحم بالأسماء في النهاية وعلامات الصليب.