يصدّر ماريو بارغاس يوسا روايته الجديدة “البطل المتكتم” (ترجمة: صالح علماني – دار الحوار 2016) بسطر لبورخيس يقول التالي: “واجبنا الجميل هو أن نتخيل أن هنالك متاهة وخيطاً”، ولينسلّ هذا الخيط ابتداء من الصفحة الأولى من الرواية مع عثور صاحب شركة ناريهولا للنقل السيد يانكيه على مغلف أزرق على باب بيته يحمل عرضاً من عصابة تطالبه بـ 500 دولار شهرياً لقاء حمايته وممتلكاته. بينما يخبر دون اسماعيل كارايرا صاحب شركة تأمين صديقه ومدير شركته ريغوبيرتو بقراره الزواج من خادمته. وليشكل ما تقدّم الحدثين اللذين تتأسس عليهما الرواية، ومصائر الشخصيات الثلاث الرئيسة.
وأمام إصرار يانكيه على عدم الاستجابة لطلبات العصابة، هو الرجل العصامي الذي أوصاه والده المعدم ألا يدع لأحد أن يذله، وإقدام إسماعيل على الزواج بشهادة ريغوبيرتو وسائقه، فإننا سنمضي خلف خيطين لهما أن يؤسسا للمتاهة، والتي لولا إيرادها كتصدير لما كانت متاهة بل تشويقاً وتحفيزاً للقارئ للعب لعبة التوقعات وفق “بنية التحفيز والفضول”، المماثلة للتي تتبعها أفلام التشويق أو الإثارة، ويوسا في صيغة الغائب يمسك بالأحداث يريد أن يفاجئنا مانحاً لنا مفاتيح تبدد المتاهة وتفتح مغاليق من هي هذه العصابة التي تواصل تهديد بانكيه وتحرق جزءاً من شركته، والكيفية التي سيلتقي فيها الخيط الدرامي لبانكيه مع خيط اسماعيل وريغوبيرتو، الأمر الذي لن يحدث إلا في الخمس الأخير من الرواية.
تتمركز الرواية بعيداً عن بنائها الدرامي على الآباء والأبناء، ولعل الخلاص من المتاهة وتبددها كامن لدى الأبناء، فاسماعيل يقرر الزواج حين يسمع ابناه التوأمان يتمنيان موته وهو في غرفة العناية المشددة، بينما يكون أحد ابني يانكيه سبب زواجه بزوجته التي كانت تعمل عاهرة في استراحة للشاحنات، إذ يجبر على زواجها كونها حامل منه، إلا أن من تنجبه يكون أشقر بعينين زرقاوتين على عكسه وزوجته الخلاسيين، بينما يهيمن على ابن ريغوبيرتو شخصية تطارده لا نعرف ما إذا كانت موجودة حقاً أم من صنيع مخيلة الابن، ليخلص ريغوبيرتو إلى أنها الشيطان وهو يستعين برواية توماس مان “دكتور فاوست”.
وعلى مستوى آخر يحضر الحب، ونوازع الرجل ورغباته في أواخر العمر، واستحضار ما فات قبل الموت المتربص بمن هم في عمر يانكيه واسماعيل، الأول عبر عشيقته التي سنكتشف لاحقاً دروها الرئيس فيما يتعرض له، والثاني عبر زواجه من خادمته وهو يعثر على ما أضاعه طيلة عمره المديد.
يطبق يوسا (نوبل 2010) على خيطي روايته وينسج تلك المتاهة – التوصيف المقابل للتشويق أو اللغز – ويتأسس كل ذلك في بنية أرسطية صارمة (بداية ووسط ونهاية) فكل العقد الروائية تمضي إلى الحل في النهاية، لتكون رواية صارمة ممتعة تتكئ على دراميتها بعيداً عن التاريخي كما في آخر ما قرأت له “حلم السلتي” وبالتأكيد بعيداً جداً عن روايته الخارقة “حرب نهاية العالم”، وله فيها هو الذي وصل الثمانين من عمره أن يكون في أعلى درجات الاتساق مع ما صرح به السنة الماضية بقوله “أحب أن أموت وأنا ما أزال حياً”.
اسم الكتاب
البطل المتكتم
اسم الكاتب
ماريو بارغاس
الناشر
دار الحوار 2016