مَنصَّةٌ خاليةٌ من التصفيق
العدد 252 | 07 آذار 2020
فتحية الصقري


هل أسمِّي هذا المكانَ حديقةَ حيوانٍ، مثلاً؟

مع اعتراضي على كلمة حديقة،

وإقحامِها في هذا التوظيفِ الخاطئ

 انظروا، يا أصدقائي

مَن أصدقائي هنا؟

منذ سنواتٍ تلعبُ برأسي فكرةُ اقتناءِ

 حيواناتٍ صغيرةٍ ولطيفة،

 ببَّغاء كثيرِ الكلام،

ومدرَّبٍ على التقليدِ الاحترافيِّ الفُكاهي،

 قطّ شوارعَ أحمرَ شرِس،

 -شرس فقط عندما يكونُ في موقفِ الدِّفاعِ عن نفسِه،

 أسماك صغيرة في حوضٍ أنيق،

مُزيَّنٍ بالأضواءِ الملوَّنةِ والأعشاب

 (هاميسترات) تملأُ غرفةَ الضيوفِ بصغارِها المشاغبين

 كلب صغيرِ الحجمِ، قليلِ التكاليف،

 لكن كنتُ كثيرًا ما أدفعُ هذه الفكرةَ بعيدًا

قبلَ أن أُصابَ بأزماتٍ نفسيَّةٍ جديدة،

تدفعُني لارتكابِ حماقاتٍ،

كالاتِّصالِ بالمهتَّمينَ بحمايةِ حقوقِ الإنسانِ والحيوان

 لا بدَّ أنَّ الحمَّى تعملُ بجهدٍ أكبرَ الآن؛

لترفعَ معدَّلَ الآلامِ الجسديَّةِ إلى 70 %.

أفضلُ الحلولِ دائمًا هي الاختصار .

 

مَنصَّةٌ في ركنٍ لا يسقطُ عليه ضوْءٌ كثير،

أو ربَّما لم يقصِدْ فنِّيُّ الإضاءةِ ذلكَ فعلًا،

منصَّةٌ خاليةٌ من التصفيق،

بنافذةٍ واحدةٍ غيرِ قابلةٍ للتلصُّص،

برغمِ كلِّ ما تضمُّ من أحداث.

هل تعمَّد محرِّكُ الدُّمى ذلك؟

قماشُ السِّتارةِ مهترئ،

 لكنَّه على الأقلِّ، حتى هذه اللحظة،

وبعْدَ مُضيِّ أكثرَ من ثلاثةِ عقود،

 لا يزالُ محتفظًا بلمَعَانِه.

 قضتْ هذه الستارةُ عمرَها

مغلقةً على حياةٍ ما،

حياةٍ، بلا أدنى شكٍّ،

مليئةٌ بأحداثٍ مروَّعةٍ، ومشوِّقةٍ، في آن.

لماذا وُضعتْ هذه الحياةُ المثيرةُ للدهشةِ

 رهنَ الإقامةِ الجبريَّة؟

 كلُّ حقائقِ العالمِ تقول:

بأنَّ مصدرَ الإثارةِ والتشويقِ، اليومَ، وبلا تردُّد

ما تفعلُه قوى الشرّ،

في البشرِ والحيوانِ والحجر،

الإباداتِ الجماعيَّةَ،

التكتيكاتِ الشيطانيةَ لزيادةِ أعدادِ القتلى،

المشرَّدينَ، المعوَّقينَ؛ جسديًّا وفكريًّا،

 الفقراء،

 والمصابينَ بأمراضٍ خطيرة،

 بسرعةٍ جنونيَّة

آلةَ الطحنِ العالميَّةِ الضخمة،

التلذُّذَ الوحشيَّ الفاضحَ

 لرؤيةِ الأشياءِ المسحوقة،

الصُّراخ الخشبيَّ، والدموع الباردة.

 

 أتراجعُ قليلًا،

خطوةً واحدةً إلى الوراء؛

لاستعادة مقطع مُسَرَّبٍ من حفلاتِ الثرثرةِ الجماعيَّةِ،

القهقهةِ المسموعةِ بحضورِ جثَّةٍ مشوَّهةٍ لكائنٍ بشريّ،

تبادلِ المصالحِ، ولعبةِ شدِّ الحبلِ، وسْطَ انهيارِ الحضاراتِ والمدن،

 في سوقِ النِّخاسةِ العالميّ،

التخديرِ الجماعيِّ المتسلسل

و” نحن ضحايا لعبةٍ كونيَّة “

انظروا، يا أصدقائي.

من أصدقائي هنا؟

مع نفادِ آخرِ حبَّةِ مُسَكَّن

تُواصِلُ الحمَّى عملَها بنشاطٍ مُفْرِط

معدلِ الآلامِ الروحيَّةِ ارتفعَ إلى 90 %

هذا البرقُ الخاطفُ،

أشعَّةٌ مُنْسَلَّةٌ من سقفِ نهارٍ صاخب،

يرسمُهُ الزجاجُ المعشَّقُ

على أرضيَّةِ البَهْو،

قوسَ قُزَح.

هذا البرقُ الفوضويُّ،

صوتٌ،

صوتٌ كانَ نائمًا،

تُسمِّيه الرياحُ (حبيبي)

الموسيقى: جرحٌ أبديٌّ في شفَةِ الوقت،

هذا الصوتُ الجنائزيّ

-يدٌ عالقةٌ في الهواء

يصوِّرُهُ الشتاءُ مزهريَّةً.

شجرةُ العصافيرِ المتفرِّعةِ بأغصانِها في قلبِه

صورةُ صمتِهِ الشمسيَّة.

*****

 خاص بأوكسجين


شاعرة من عُمان. صدر لها: "جمهور الضحك"" 2016، و""أعيادي السرية"" 2014، و""قلب لا يصلح للحرب"" 2014، و""نجمة في الظل"" 2011."