من رواية “أختي القاتلة المتسلسلة”
العدد 247 | 06 أيلول 2019
أوينكان برايثوايت


 

كلمات

استدعتني آيولا بهذه الكلمات- كوريدي، لقد قتلته.

كم وددت بألا أسمع تلك الكلمات مجدداً.

 

المبيّض

لي أن أراهن على أنك لا تعرف قدرة المبيّض على إزلة رائحة الدم، فمعظم البشر يستخدمونه خبط عشواء، يحسبونه منتجاً متعدد الاستعمالات، من دون أن يقرأوا مكوناته، ولا أن يلقوا نظرةً قريبةً على سطح مُسح به مؤخراً. المبيّض جيدٌ في التعقيم، إلا أنه ليس بعظيم الشأن في إزالة الآثار، وعليه فإنني أستخدمه فقط بعد أن أكون قد قمت بفرك الحمّام وإزالة أي أثر للحياة أو الممات.

من الواضح أن الغرفة التي نتواجد فيها قد أعيد ترتيبها مؤخراً. لها هيئة لم يتم التعود عليها بعد، وتحديداً الآن بعد أن أمضيت ما يقرب الثلاث ساعات في تنظيفها. لقد كانت إزالة الدم المتسرب بين “الدوش” ومعجون سدِّ الشقوق الجزء الأصعب في عملية التنظيف، وهو مكان من السهل نسيانه.

ما من شيء على الأسطح، سائل الاستحمام وفرشاة الأسنان والمعجون، جميعها في الخزانة فوق المغسلة، وثمة بساط الحوض المانع للانزلاق – مستطيل أصفر عليه وجه “سمايلي[1]” أسود وما عدا ذلك فمساحة بيضاء.

أيولا جالسة على مقعد المرحاض، رافعة ركبيتها وقد أحاطتهما بذراعيها. جفّ الدم على ثوبها وما من خشية من أن يبقّع الأبيض، والأرضية اللامعة الآن. ضفيرتا شعرها مرفوعتين فوق رأسها، لئلا تمسحا الأرض. ظلت تحدّق بي بعينيها البنيتين الكبيرتين، مخافة أن أكون غاضبة، وبالتالي ألقي عليها محاضرةً بعد أن أفرغ من انكبابي على الأرض.

لست بغاضبة، وإن كان لي أن أكون بحالة ما، فأنا منهكة. ينهمر العرق من جبيني على الأرض وأقوم بمسحه بالإسفنجة الزرقاء.

كنت في صدد أن آكل حين كلّمتني. وضبت كل شيء في الصينية – الشوكة على يسار الصحن، والسكين على يمينه، وطويت المنديل كما التاج ووضعته في منتصف الصحن. كنت قد أوقفت الفيلم على مفتتحه المتضمن أسماء طاقم العمل، وما أن رنّ موقت الفرن حتى بدأ هاتفي يرجّ بقوة على طاولتي.

ما أن أصل البيت، سيكون طعامي قد برد.

نهضت واقفةً ورحت أغسل القفازين في المغسلة وأنا مرتدية لهما، بينما كانت أيولا تنظر إلى وجهي المنعكس على المرآة.

“علينا أن نتخلص من الجثة،” قلت لها.

“هل أنت غاضبة مني؟”

أي شخص طبيعي سيكون غاضباً على الأرجح، لكن ما أحس به الآن هو الحاجة الملحة للتخلص من الجثة. حين جئت هنا، قمنا بنقله إلى صندوق سيارتي، لكي أفرك وأمسح وأنا متحررة من تحديقة نظرته الباردة.

“أحضري حقيبتك،” أجبت.

عدنا إلى السيارة وهو قابع في الصندوق ينتظرنا.

لم نستغرق طويلاً في عبور الجسر الثالث حيث لم يكن من ازدحام في هذا الوقت من الليل، وطالما لم يكن هناك من أضواء مضاءة فقد كانت العتمة دامسة، لكن إن نظرت إلى ما يتخطى الجسر فيمكنك رؤية أضواء المدينة. أخذناه حيث أخذنا الذي قبله، رميناه من الجسر إلى المياه. لن يكون على الأقل وحيداً.

لطخت بعض الدماء بطانة صندوق السيارة، وعرضت أيولا من باب شعورها بالذنب أمر تنظيفها، لكنني أخذت خلطتي المكونة من ملعقة من الأمونيا الممزوجة بفنجانين من الماء وأرقتها على اللطخة.

لا أعرف ما إذا كانت لاغوس تحتكم على التقنيات المتكاملة للبحث الجنائي في مسرح الجريمة، لكن ما كان لأيولا أن تنظف بفاعلية كما فعلت.

 

دفتر

“من هو؟”

“فيمي.”

دوّنت الاسم. كنا في غرفة النوم. أيولا تجلس على الأريكة مصالبة رجليها، ورأسها مستندة إلى الخلف. قمت بحرق ثوبها الذي ترتديه بينما كانت تستحم. ترتدي الآن “تي شيرت” وردي له رائحة بودرة الأطفال.

“وما هي كنيته؟”

تجهمتْ، وزمّتْ شفتيها، ومن ثم هزّت رأسها، ساعية من خلال ذلك استحضار الكنية إلى مقدمة دماغها. لم تأتِ. انكمشت. كان عليّ أن آخذ محفظته.

أغلقت الدفتر. إنه صغير، أصغر من راحة يدي.

شاهدت مرة إحدى حلقات حوارات “تيد اكس” قال فيها أحدهم بأن احتفاظه بدفتر وتدوين لحظة سعيدة كل يوم غيّر حياته، ولهذا اشتريت واحداً. كتبت على الصفحة الأولى، رأيت بومة بيضاء عبر نافذة غرفة نومي، ومن وقتها لم أخط عليه شيئاً.

“لكِ أن تعرفي بأنه ليس خطأي.” لم أعرف. لم أعرف عن ماذا تتحدث. هل تقصد عدم قدرتها على استعادة اسم كنيته؟ أم موته؟

“أخبريني بالذي حصل.”

 

القصيدة

كتب لها فيمي قصيدة.

(تستطيع تذكر القصيدة، ولا تستطيع تذكر كنيته)

أتحداك أن ترى عيباً واحداً

في جمالها

أو أن تأتي بامرأة

تقف بجوارها

من دون أن تذوي.

وأعطاها إليها مكتوبة على ورقة، ومطويةً طويتين، ذكرى من أيام مدرستنا الثانوية، حين كان الفتية يمررون رسائل الحب لبعضهم البعض في المقاعد الخلفية في الصفوف. كانت متأثرة بكل ذلك (على كلٍّ أيولا دائمة التأثر بعبادة خصالها) وعليه أمست امرأته.

وفي ذكرى مرور شهر على علاقتهما، طعنته في حمّام شقته. طبعاً هي لم تقصد ذلك. كان غاضباً، يصرخ في وجهها، ورائحة البصل تطغى على أنفاسه الحارة.

(لكن لماذا كانت تحمل سكينا؟)

السكين لحمايتها. لا يمكن توقع أفعال الرجال، يريدون ما يريدونه متى أرادوه. لم تقصد قتله، أرادت أن تحذره، لكنه لم يخشَ سلاحها. طوله أكثر من ستة أقدام ولابد أنها بدت كما الدمية بالنسبة إليه، ببنيتها الصغيرة، ورموشها الطوال، وشفتيها الريانتين.

(هذا وصفها هي، وليس وصفي.)

قتلته من أول ضربة، بطعنة مباشرة في القلب. بعدئذٍ طعنته مرتين من باب التأكد. ترنح على الأرض، وما سمعت حينها سوى صوت لهاثها.

 

جثة

هل سمعت بهذا يوماً؟ فتاتان تدخلان غرفةً. الغرفة في الطابق الثالث. في الغرفة جثة رجل ميت. كيف يمكن انزال الجثة إلى الطابق الأرضي من دون أن يراهما أحد؟

“أولاً، قامتا بجمع اللوازم؟”

“كم ملاءة نحتاج؟”

“كم واحدة لديه؟” انبرت أيولا إلى الحمام وعادت مدججة بمعلومة مفادها أن لديه خمس ملاءات في خزانة الغسيل. عضضت على شفتي. نحتاج المزيد، وكنت خائفة من أن يكون لديه ملاءة واحدة هي تلك التي على السرير فتلحظ عائلته اختفاءها، وهذا طبيعي بالنسبة للذكر العادي، وليس بالأمر الغريب – لكن هذا الرجل مفرط العناية والترتيب. رف الكتب لديه مرتب حسب التسلسل الأبجدي لأسماء الكتّاب. حمّامه مليء بمجموعة متكاملة من مساحيق التنظيف، حتى أنه اشترى نفس ماركة المعقّم الذي استخدمه. كما أن مطبخه يلمع من النظافة. بدت أيولا خارج هذه المكان – وباء حلّ في وجود فائق النقاء.

“أحضري ثلاثاً.”

ثانياً، قامتا بتنظيف الدم.

غمستُ المنشفة بالدم وعصرتها في المغسلة. عاودت ذلك إلى أن جففت الأرض. صارت أيولا تتقافز على رجل ومن ثم على أخرى. تجاهلت نفاد صبرها، وتبدّى لي أن التخلص من روح يستغرق وقتاً أطول بكثير من التخلص من جثة، وخاصة إن كنت لا تريد أن تترك أي دليل جرمي، بينما عيناي مصوبتان دائماً على الجثة المكوّمة المسنودة إلى الحائط، وبالتالي لم أكن قادرة على انجاز العمل ما لم تودع الجثة في مكان آخر.

ثالثاً، لقد حوّلاه إلى مومياء.

وضعنا الملاءات على الأرض المجففة للتو وقمنا بلفه. تجنبت لمسه، وقد كنت قادرة على انتزاع جسده من كنزته، إلا أنه بدا رجلا بمقدوره النجاة من بضع جراح في جسده، كما تلك التي أثخنت أخيل وقيصر، وكم كان مشيناً التفكير بأن يكشط الموت هكذا كتفين عريضين وعضلات مفصّلة تفصيلاً، ولا يبقي منها إلا العظم. أول ما خطوت بدايةً قست نبضه ثلاثاً، وعاودت ثلاثاً أخرى، فقد كان من الوارد أن يكون نائماً، وقد بدا ساكناً هانئاً، رأسه محنية إلى الأمام، وظهره محنية على الحائط، ورجلاه مائلتان.

كانت أيولا تزفر وتلهث وهي تجرّ الجثة إلى الملاءات. مسحت عرق جبينها وخلّفت أثر دم عليه. وضعت طرفاً من الملاءة فوقه، فتوارى عن الأنظار، ومن ثم ساعدتها في لفه بإحكام بالملاءات. وقفنا وحدقنا به.

          “وماذا نفعل الآن؟” سألت.

رابعاً، قامتا بنقل الجثة.

كان بمقدورنا استخدام الدرج، لكنني تخيلت مقابلة أحدهم بينما نحمل جثة مقمّطة بوقاحة وبادية للعيان. خلصت إلى مبررين ممكنين –  “هذا مقلب أعددناه لأخي، فهو نوّام ونحن نقوم بنقل جسمه الغارق بالنوم إلى مكان آخر.”

“لا، لا أبداً، ليس ببشر، ما الذي تريد الخلوص إليه؟ إنها “مانيكان.”

“لا يا بنت، هذا مجرد كيس بطاطا.”

تصورت عيون الشهود وهي تتسع من الخوف بينما يلوذون بالفرار طالباً/طالبةً النجاة.

لا مجال لاستخدام الدرج.

“علينا أن نستقل المصعد.”

فتحت أيولا فمها تريد أن تسأل إلا أنها عدلت عن ذلك بهزة من رأسها متبعة إياها بإغلاق فمها. لقد قامت بالجزء المتعلق بها، وتركت الباقي عليّ. رفعناه، وكان علي أن أعتمد على ركبتيّ لا على ظهري، إذ إنني أحسست بتصدع أحدث صوتاً مكتوماً في أسفل الظهر. حركت أختي عينيها بتبرم. أمسكتُ بقدميه مجدداً وحملناه إلى الباب.

اندفعت أيولا باتجاه المصعد، وضغطت على الزر، وركضتْ عائدةً ورفعت فيمي من كتفيه. تلصصت على الشقق وأكدتُ على أن الممر سالك. وددت أن أدعو ربي، أن ألتمسه بألا يدع لبابٍ أن يُفتح بينما نمضي في رحلتنا من الباب إلى المصعد، لكنني كنت على يقين تام بأنه لن يستجيب لهكذا نوع من الدعاء، وبدلاً عن ذلك اتكلت على الحظ والسرعة. جرجرنا أقدامنا بصمت على الأرضية الحجرية، ورنَّ جرس وصول المصعد في الوقت المناسب وفتح شدقيه. لازمنا جهة باب المصعد لحين تأكيدي بأنه فارغ، ومن ثم دفعنا به إلى داخله، وأودعناه الزواية، بعيداً عن أن يكون مرئياً بشكل مباشر.

“استبقي المصعد!” صرخت. رأيت أيولا من زاوية عيني وهي تضغط الزر الذي يمنع إغلاق باب المصعد. صفعت يدها وضربت على مفتاح الدور الأرضي ضربات متتالية. وبينما كان باب المصعد يغلق، لمحت وجه أم شابة تعلوه معالم الخيبة. أحسست ببعض الذنب – تحمل طفلاً في يد وفي الأخرى الأكياس –  وكان ذلك غير كافٍ لأغامر متسببة بانكشاف أمري، هذا عدا عن تساؤلي عن ما تفعله في هذا الوقت من الليل مجرجرة طفلها معها.

“ما بكِ؟” قلت لأيولا مهسهسة، رغم معرفتي بأن ما فعلته غريزي، وله أن يكون مماثلاً للطيش الذي أفضى بها إلى أن تغرز نصلاً في اللحم.

“نعم أُقر بذلك،” كانت تلك اجابتها الوحيدة. ابتلعت الكلمات التي كانت تتأهب للخروج من فمي. لم يكن الوقت مناسباً.

في الطابق الأرضي، تركت أيولا تحرس الجثة وتستبقي المصعد. كان عليها إن توجه أحد نحوها أن تغلق باب المصعد وتتوجه إلى أعلى طابق، وإن طلب أحد المصعد من الطوابق فإن عليها أن تبقي باب المصعد مفتوحاً. ركضت باتجاه سيارتي لأحضرها إلى الباب الخلفي للبناية، والذي أحضرنا إليه الجثة من المصعد، ولم يتوقف قلبي عن الطرق والقرع إلا حين أغلقنا صندوق السيارة.

خامساً، انخطف لون وجهيهما.

 

تنظيفات

قررت إدارة المستشفى استبدال لون زي الممرضات الأبيض بالوردي الغامق، طالما أن الأبيض أمسى بلون الكريمة المتخثرة، أما أنا فتمسكت بالأبيض – إذ إنه ما زال يبدو ناصعاً جديداً.

لاحظ تيد ذلك.

سألني “ما السر في ذلك؟” وهو يمسك ثنية كمي، فأحسست بأنه يلامس بشرتي – سرت الحرارة في جسدي. سلّمته ملف المريض التالي وفكّرت بالسبل التي تؤدي إلى استمرار الحديث، لكن وللحقيقة، ما من سبيل لإظهار التنظيف على أنه مثير – ما لم يكن تنظيفاً لسيارة رياضية لا أرتدي فيها سوى “البكيني”.

“غوغل صديقك،” قلت.

ضحك في وجهي ونظر إلى الملف وتأفف.

“السيدة روتينو مجدداً؟”

“يبدو أنها ترغب بأن تكحل ناظريها بمرآك فقط يا دكتور.” رفع رأسه مكشّراً. حاولت التبسم من دون تجاهل حقيقة أن اهتمامه جفف حلقي، وحين خرجت من الغرفة، بت أتمايل بخصري على الطريقة المولعة بها أيولا.

“هل أنت بخير؟” ناداني بذلك بينما كنت أضع يدي على مقبض الباب. استدرت لأواجهه.

“هممم؟”

“تمشين بطريقة مضحكة.”

“أوه، آه- أنا متعبة.” انفضح أمري. فتحت الباب وغادرت الغرفة مسرعة.

كانت السيدة روتينو تشغل واحدة من بين العديد من الأرائك الجلدية. احتلت لوحدها الأريكة بأكملها ووضعت في المساحة الشاغرة فيها حقيبتها وعلبة مكياجها. رفع المرضى أبضارهم نحوي حين توجهت نحوهم، بينما توقفت السيدة روتينو عن وضع البودرة على وجهها حين أقتربت منها.

“هل الدكتور جاهز لاستقبالي؟” سألت. هززت رأسي فوقفت، مغلقة علبة البودرة. أشرت لها بأن تتبعني، لكنها أوقفتني بوضع يدها على كتفي: “أعرف الطريق.”

السيدة روتينو مصابة بداء السكري من النوع 2، أي لو أنها أكلت أكلاً صحياً، وخففت وزنها، وأخذت بعض الأنسولين بمواعيد محددة، لما كان من سبب لنراها بين الفينة والأخرى كما هو الحال الآن. وها هي هنا، تكاد تقفز نحو مكتب تيد. أتفهم ذلك، إذ لدى تيد القدرة على أن ينظر إليك ويشعرك بأنك أنت ما يستحق الاهتمام دون أي شيء آخر طالما كنت في رعايته. لا يشيح بناظريه، ولا يبهت بريق عينيه، وله أن يكون سخياً بابتسامته.

بدّلت وجهتي وتوجهت نحو طاولة الاستقبال وخبطت عليها بحافظة الأوراق، بالقدر الكافي لايقاظ ينكا، التي توصلت إلى طريقة تنام فيها بعينين مفتوحتين. تجهمت بونمي لكونها كانت تتحدث بالهاتف تحجز موعداً لمريض.

ماذا تريدين يا كوردي؟ لا توقظيني إلا إذا اندلع حريق.”

“هذه مستشفى وليست فندقاً.”

غمغمتْ قائلة “ساقطة” وأنا أفارقها، لكنني تجاهلتها. شيء آخر أثار انتباهي. تنهدتُ تنهيدة متخللة أسناني ومضيت أبحث عن محمد. أرسلته من ساعة إلى الطابق الثالث، وكلي يقين بأنه ما زال هناك مستنداً إلى عصا ممسحته يغازل أسيبي، ذات الشعر الطويل المتماوج والرموش الكثيفة المستقيمة. إنها إحدى عاملات النظافة، وها قد هربت ما أن رأتني، بينما استدار محمد ليواجهني.

“كنت فقط –”

“لا يهمني. هل مسحت النوافذ…مسحتها كما طلبت منك بماء ساخن ربعه خلّ مقطّر ؟”

“نعم، سيدتي.”

“حسناً..أرني الخل.” صار يتناوب على الوقوف على رجله اليمين فاليسار وهكذا دواليك، محدّقاً بالأرض وهو يحاول أن يجد سبيلاً يتخلص فيه من كذبته. لم يفاجأني بأنه لم ينظف النوافذ – أستطيع أن أشم رائحته على بعد عشرة أقدام، وهي رائحة زنخة ونتنة. للأسف، لا تعتبر رائحة المرء سبباً لتسريحه من العمل.

“لا أعرف من أين أشتري ذلك.”

دللته إلى حيث يوجد دكان الحي، ونزل الدرج مطأطئاً، تاركاً دلوه في منتصف القاعة. استدعيته مجدداً ليقوم بتنظيف نفسه بعد أن يفرغ من عمله.

حين عدت مجدداً إلى الطابق الأرضي، كانت ينكا نائمة مجدداً – عيناها تحدقان بالفراغ، كما كانت عليه عيني فيمي. استبعدت الصورة من ذهني والتفتُّ إلى بونمي.

“هل انتهت معاينة السيدة روتينو؟”

“لا،” أجابت بونمي. تنهدت. هناك أناس آخرون في غرفة الانتظار، وجميع الأطباء مشغولين مع أناس ثرثارين. لو كان الأمر بيدي، لأعطيت كل مريض وقت استشارة محدد.

 

*****

خاص بأوكسجين

 

[1]  Smiley


كاتبة نيجيرية انجليزية. وصلت روايتها الأولى My Sister the Serial Killer "أختى القاتلة المتلسلسة"" القئمة الطويلة لجائزة مان بوكر العالمية 2019."