ممتنة للجدران التي لا تشفّ
العدد 217 | 11 آب 2017
مريم شريف


1

هنالك صوتٌ لكلماتك

وصوتٌ لصوتكَ

صوتٌ عميقٌ

وبعيد

كآخر الأرض

تَعرفهُ روحي

تذهبُ إليه أحياناً

تحيا هناك

مثلما تحيا الروح

في جسد.

2

(قصيدة على ورقة)

مُعَلّقةُ في الهواء

تلك الورقة

مُعَلّقةٌ وصامتة

بسطورها الثقيلة

دون ريحٍ كافية

لِتنْقلَها إلى مكانٍ أبعد

دون ثباتٍ

غيرِ ثباتِ الاهتزاز

مُعَلّقةُ وصامتة

ولا يبدو أنّها مُرَشّحَةُ للسقوط

 أو التمَزُّق

فقط الاصفرارُ تحتَ الشمس

والضآلةُ من جهة الأرض

3

شخصُ ما سارَ على هذه الطريق

مِن كلّ خُطواتهِ

حُفِرتْ على الأرض

خطوةٌ واحدة

الخطوةُ التي حمَلَتْ التفاتةَ وجههِ

نحو الأفق

عند الحافّة الأكثرِ صمتاً للسماء

حيثُ كانت العتمةُ تبدأ

والنهارُ الذي تَرِنُّ فيه تلك الخطوات

يتلاشى.

4

يَتقدّمُ في الشارع

يتقدّمُ في الفراغ

يتقدّمُ عبر الهواء

يتقدّمُ عبرَ أنْفاسهِ

يتقدّم خلال جسدهِ

يتقدّم تحتَ الشمس

إنّه يسيرُ

يسيرُ لا أكثر

يُلاحقُ صوتاً

يتراجعُ

في أعماقه ..

5

الأوراقُ التي تتبعثرُ حول الشجرةِ

صفراءَ واهنة

لا تحملُ عبء الصُّفرةِ

لا ترى السماء الملبَّدة

والريحَ الباردة

أنت الذي يجْفل قلبك

من هذا المشهد

أنت الحزين

أنا مِثلُكَ

تمامًا

6

القليلُ من جاذبية الغموض

كان يكفي لتستقرَّ الوجوه خارج ملامحها الواضحة

القليلُ من الظِّلال يُكمل النُّقصان

القليل من الظلال فقط

تلك التِّلال تبدو قريبةً

لأنَّ ظلال النافذة تصنعُ ذلك القُرب

الظلال المكدَّسةُ في العيون

تفعلُ ما هو أكثرُ

الوجوهُ التي تصل أسرعَ من حقيقتها

لتنامَ في الظلال الليِّنة الدافئة

التي تحيطني من الجهات الأربع

ومن جهة السماء

التي تنمو وتتزايد وتكتمل

لتكونَ الأشياءَ التي تخصُّني

الظلال المأخوذةُ عن وجوهٍ وأسماءٍ بعيدة

الظلال التي لا تشبهُ أحدًا

7

أنْتَ، السائرُ في الطرقات الغريبةِ

ما زلتَ تسير؟

أنت لا تشاهدُ المسافاتِ بيننا

أنا أشاهدُ البحرَ

وهو ليس جميلًا حين يكون مسافة

أشاهد المدنَ الجميلة

والمدن الحزينة

أشاهدُ الوقت

لا لأنَه يتساقطُ خارج النوافذِ بلا سببٍ

بل لأنَّ الوقت مسافة

وأشاهدك أنتَ

تسير في الطرقات الغريبة

لماذا تسير كثيرًا؟

أنا أسمع وقْعَ قدميكَ

كلَّما أصغيتُ لقلبي

8

نظرتكَ تُغطّي السماء

ضبابٌ أليفٌ ينظر إليَّ  

وأنا أتابع طريقي بصمت

هل ترى هذه الكلمات؟

هل ترى الطريق المتعرِّجة كالوجود؟

هل ترى البيت الأبعد من نجمةٍ مُنْطفئة؟

لقد مَلأتهُ بصمتِ ما أردتُ أن أقول،

صمتٍ غائرٍ خلف كلِّ ضجيج،

كالوجوه التي تُصادفها

ثمَّ لا تراها ذاكرتُك 

صمتٍ هائمٍ وخفيف

لو حدَّث أن قلّبتهُ بين يديك

لن يزحفَ فوق أصابعكَ

أيُّ ثقل

في اللحظات البعيدة

كانت نظرتكَ العائدة من أعماقك

تغطّي السماء

وهي كلُّ ما أردتُ

ليكون كلُّ ما تحت السماء

وطني

9

ممتنَّةٌ لبكاء الأطفال الذي لا يصلُ إليَّ

للنزاعات التي تترك ليلي يمرُّ من دون أن ترتطم به

ممتنَّة للحزانى 

الذين لا أرى في عيونهم سوى معجزة اللون

للدروب التي لا أصادفُ فيها تائهًا، أو وحيدًا

سوى الأشجار

ممتنَّة للأبواب التي يمكن غلقها

وللجدران التي لا تشِفُّ

____________________________

القصائد المنشورة هنا من كتاب “ما لا يستعاد” الصارد أخيراً عن دار الآن ووزارة الثقافة الأردنية في عمّان.

*****

خاص بأوكسجين


شاعرة من الأردن. من إصدارتها الشعرية: "أباريق الغروب"" و""ما لايستعاد"""