ملكوت الروائي: الأخرق الميت الحي
العدد 185 | 21 كانون الأول 2015
علي عبدالله سعيد


قد أخلق خلقا..

ما من شيء يموت

ما من كائن ميت إلا ويحيا على إيقاع كعبي، بطري، أو بظري إن  شئت أيها الاخرق الميت الحي في الرواية تقول ديدي في الغفلة من الوقت..

 هل تذهب للغناء بمفردك على ذاك التل الذي في الشمال حيث العصافير تهرب طويلا من الريح الجافة الباردة؟ إلى أن أتكىء على كتفك قليلا كي أرندح في الريح الجافة الباردة غناء ولهاً قلّ نظيره من امرأة شغوفة بالحب الحسي ليس إلا..؟ 

 في الحافلات التي تقل الخنازير إلى الجحيم أسافر صوبك بأمتعة قليلة. بدل واحد لحمالة الأثداء. بدل واحد أحمر محصن للفرج من الرؤية الذميمة الدميمة.. في ما لو ارتديت فستانا قصيرا جدا. 

 شبابة من الدلب، عبوات زجاجية صغيرة من الويسكي.. والعطر. أظنها عدة تكفي كي أصل الى حيث أشاء باطمئنان. كأنما لا أغامر صوبك إلا كهاوية قد تكون سطحية العمق. قد يكون عمقها لا نهائيا، أو لا مدركا. 

 طالما معناك كامن في مفرداتك كقيمة جمالية، قد تكون بمنتهى الضحالة. قد تكون على جانب عال من الأهمية والقيمة. قد تكون قيمتك في الكلام الذي يشيد عمارة، أو هندسة تتداخل فيها الأعضاء بالأعضاء، الأبواب بالشبابيك. قد تفضي ممراتها إلى الغاز لا تفك إلا كتابة على الفخذ، قد تكون الكتابة على الشفر بتلك الاداة الحادة، أجدى بكثير من الكتابة على الجانب الأيسر من الكتف الأيمن. الكتابة السرية السحرية، تكون عادة بالعطر، الكتابة الأجدى سحرا تكون باللسان على طرف من أطراف الكون الذي بين فخذي ديدي فقط، التي توغل في توصيف لا متعارف عليه، لا متفق عليه. 

 تنفلت من التهذيب قليلا.. حين يتحرك اللسان هناك. 

 جمالية الأنثى عادة.. هي في الانفلات من اللغة القيد. من القيد الحشمة. القيد يحيل الأنثى الى كائن ذكوري غير محترم، غير مدهش. حتى غير ممتع جنسياً. كائن يجيد تحقيب صغار القنافذ في حقيبة الكتف، كي يوزعها على الصغار كأصناف من الحلويات المدهشة. 

 لم أوزع شيئاً من تلك الكائنات على الصغار، لا خنافس، لا حباحب، لا جداجد من عنب أو تين. لم يكن في حقيبة كتفي أي نوع من الحشرات التي تؤكل، أو التي تقدم كرشوة لله من أجل حظ حسن أو سعيد. قد أهب الله لغة لم يألفها بعد. لم يعلمها لأنبيائه الذين يحضون على الحشمة والعفة والعبادة والتقوى. كما يحضون على الحقد والكراهية والقتل. هم الأكثر إيباقاً من ديدي حين تكون ثملة بالجنس والخمر.. ثملة إلى الحد الأقصى.. مشغولة بالغناء كما لو كانت تذهب بمفردها في حافلة إلى جهة مجهولة من الأغنية، أو القصيدة، أو الكون. 

 هل سبق لك أن ذهبت في حافلة من هذا النوع أيها الراوي الكسول المتبجح.. حيث تأتيك المتع المجانية من حيث لا تحتسب.. كاللغة الطائشة، والأنثى الأكثر تخريفاً من المجنونة المصرية التي تظهر فجأة تحت التين البنغالي كاشفة عن فرجها الأسود كأنه عفريت إفريقي، ثم تغيب فجأة في ليالي القمر؟

*****

خاص بأوكسجين


روائي من سورية، مواليد اللاذقية 1958. من رواياته: “جسد بطعم الندم”، (2020). “البهيمة المقدسة”، (2020). “براري الخراب”، (2000). فازت روايته “جمالية المتاهة” بجائزة منتدى ابن خلدون، القاهرة (1993)، بينما نالت روايته الأولى “اختبار الحواس” جائزة مجلة الناقد، لندن (1992). صدر له في القصة: “موت كلب سريالي”، جائزة أصدقاء الأدب، دمشق (1996)، و”هكذا مات تقريباً" (1993). صدر له عن محترف أوكسجين للنشر رواية "سكّر الهلوسة" (2023).