لم نجد يداً تؤكِّد غبارنا
العدد 253 | 29 آذار 2020
الكيلاني عون


الحظُّ

عندما طَرقَ البابَ 

لم أسمعه

كنتُ أهدِّدُ فراغاً قديماً

بواحدٍ لا يشبهه كثيراً؛

الحظُّ الذي سرقَ حذائي

تورَّمتْ دمعته

وذهب كما جاء

مجرَّد لصٍّ

أو سكِّيرٍ

يصطدم بالحيطان فلا تنهمر أثمانُ الضياع. 

 

 

أرسمُ الانتظارَ طفلاً

مرَّةً غسلتُ الانتظار

ألبسته ثياباً جديدة وناولته ما يكفي لشراء ساعة حائط

لكنه لم يعد منذ تلك اللحظة

ربما لم تعجبه رواية كل يوم

عن الريش والزلازل وأكواخ السعال داخل المرايا

ربما ضاق ذرعاً بالكرسي القديم

حيث أُسرِّحُ له شعره وهو يحملق نحو شيء آخر

متبرِّماً من وصايا الرجل المحاصَر بأصوات القذائف

وأصوات النازحين،

ربما أيضاً أمسى طائراً؛

الآن أرسمه طفلاً

وأجلس بجواره منتظراً النمال التي ستملأ رأسه

ومثلما يحدث دائماً

سأروي له حكاية أخرى

وأنا أعبث بخصلات شعره الرمليّ.

 

سانحٌ للفراغ

عاصفةٌ كلَّما اقتربوا أو ابتعدوا

كلَّما هجعوا نقائضَ ونجوماً مدبرةً دون عشاء؛

ثديٌ مزرقٌّ على خزائن النوم

حجرٌ يصنِّف غيبوبةَ النقش غروراً ملكيّاً؛

الظلالُ لا تكذب لكنهم صدَّقوا ما كذَّبته الظلال

صدَّقوا ما أباحَ القمرُ المورَّد من لكنات العبور

وما عبروا

غادرٌ ما مكثوه بين شجار الفلكيين

ما اجتازوه وعادوا يلمّون ريشَ النبوَّات؛

أيّها الفظُّ المتسوِّل أقداحاً

أيّها القرير المذابح، المحتَضَر كفايةً، الوليُّ الممتدَح

بصرير السماء

هذا الرمل أوّلنا شغفاً بالبيوت

وهذي البيوت مناديلنا نلوِّح بها للعابرين.

سانحٌ للفراغ 

ما جرَّدوه الفراغَ وماتوا.

 

 

يومٌ مطفأٌ

يومٌ مطفأٌ

أرضهُ من سقم الزجاج

وسماء فكرته من عويل الفرائس

يا وارث دمعي

لا تقتل هذه الشجرة الصغيرة

ولا تأخذْ – على محمل النوم – عبثَ الهدير

نتبادل كالطهاة مواقدَ الإثم

وأبخرة الصدوع مجفَّفةً بالندم المتسكِّعِ بين القشور

أبدٌ خطأٌ

في أواني المعلوم.

 

 

أكبرْ قبل أطفالكَ الجوعى

من الوقت صنعنا كثيباً

سمَّيناه الصّدى

نأخذه إلى الوادي لكنه ينوي الزواج بحجارة الجبل

أكبرْ يا صغيري وخذ قوسكَ واذهب

لتلك النار الوحيدة

حيث ترتعد أصواتُ المهاجرين

المتوقّفة دون ظلال

محدِّقةً طوال العمر في الغزال الجريح

بين الرسائل،

أكبرْ قبل أطفالكَ الجوعى.

 

لم نجد يداً تؤكِّد غبارنا

قطعنا مسافةً طويلة

وزّعناها على طاولة من هلالٍ بعيد

بين الريح ومياه الكلمات

كنّا نظراتٍ تحتشد كغابة ٍ تلد الصّدى

نحمل تراباً عارياً وحقائب لناسٍ كبروا

لانحناءِ الفراغ الحاجبِ أميرِ القشِّ الممتدَح للهدير

والعسل البريء من جهر الوردة

وكثبان الضوء؛

قطعنا مسافةً طويلة

ولم نجد يداً

تؤكِّد غبارنا.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وتشكيلي من ليبيا. صدر له: "لهذا النوم بهيئة صيد ""، و""شائعة الفكاهة""."