كنت أنا وصديقي نجم نحب السماء ونجلس تحتها، ويحدثني يومياً عن إمكانية تحويل العالم إلى الأزرق، كان واضحاً في كلامه، وكنت أرى غيوماً تعبر كلماته من شدة السلام الذي يحل علي.
في الحروب التي خضناها سوية فكرنا بالاستسلام مراراً، كنت أرجوه أن نفعل فيوافق، أقول له: تكلم! تكلم فقط! فيفعل فتمر تلك الغيوم التي كلها بيضاء وأبدأ نسج رايات استسلامي واستسلامه منها، ومع ذلك كانت ترفرف، نستسلم وترفرف، نغرزها في أي شيء، وفي إحدى المرات كانت حرباً في بيت شاسع، وحين أعلنا استسلامنا لم نتمكن من غرز تلك الرايات في البلاط، فلجأنا إلى الأصيص.
كان يحب الشعر كثيراً، ويكرهه كثيرا إن كان رديئاً، يغفر كل شيء إلا لمن يكتب شعراً ردئياً، حتى أنني لم أتجرأ على كتابة حرف واحد له، وكلما أمسكت القلم ورحت أكتب شيئا عنه كنت أرتعد أخاف أهلع وأمزق الأوراق، لو تعرفون كما أنا خائف الآن!
لم أحب النساء كثيراً، هو أحب واحدة فقط، فصرت أحبهن، هجرته فلم يبق لدي نساء لأحبهن مثلما يفعل، كانت واحدة بالنسبة إلي أيضاً، قال عنها “إنها تشبه ما نقرأ بين السطور”، عندما لم تعد تمشي بيننا وجد فيما بين السطور كلمات مشابهة لتلك المستقرة على السطور، وعدنا إلى الرايات البيضاء رغم صمته والغيوم التي فارقت.
أودعوه السجن لأنه كرههم كطفل ومزقنا الغيوم وراية الاستسلام لمرة واحدة، بقيت خارج القضبان وهو خلفها، رغم أني ذهبت إلى حيث ذهب وكنا حمراً كالجوري، لكنهم وجدوا فيه طفلاً أشد خطورة مني، أو أنهم عرفوا أن في سجنه سجني، ولا شيء بمقدوري أن أفعله دونه، أودعوه السجن وأهالوا عليه كل رداءة العالم، لكن لم يسمع قصيدة رديئة واحدة وبهذا نجا أكد لي.
قسّم الأزهار إلى سريعة وبطئية، حفظ عن ظهر قلب خلايا النحل، ترك نفسه في المشاتل والحقول وربّى كلباً بعيداً في جبال وحدته، ويومياً كان الراعي الوحيد لقطيع حزنه الجارف.
في الطريق إلى بيته النائي، بدلت الحافلات كالأحذية على طريقة بريخت، صعودا صعوداً، تلوت الطرقات وصولاً إليه، صديقي نجم وقد سرقوا منه أحد عشر سنة فاتحاً ذراعيها يضمني وكلب وحدته يدور حولنا.
*****
خاص بأوكسجين