بالقليل من الخطط البسيطة
لا يوجد ما يجعل للعائلة أهمية سوى التخلص منها
حتى لو عشنا في وحدة غير مفهومة
أو لا نستطيع توأمة ظروفنا معها
الكثير منا يريد تبديل ظرفه لأخذ قسطٍ من الراحة
أو تبديل نصف أقاربه، أو الدعاء لهم بالجحيم
في صفوف النساء الأغلب منهن يردن تغيير جنسهن
فكاكاً من تخلف أسرهن
وهناك على الجانب الآخر من كل ذلك، أفراد من الجنسين
لا يفكرون في كل هذا
يعيشون خارج أي صراع
فقد وجدوا لأنفسهم طرقاً لاستلطاف الحياة خارج أي رقابة
يعيشون حياتهم كما يريدون
فقط بالقليل من الخطط البسيطة، بالحيلة مرات
والتجاهل مرات
إنما الوحدة هي الوحدة، يعود كل منا إلى نفسه آخر الليل
يسأل الكثير من الأسئلة
أهمها متى ينتهي ذلك
لماذا لم أكن شخصاً آخر غير ما أنا عليه
أنا مثلاً، من الذين ارتاحوا من عبء العائلة
لا أحد يدينني بشيء، ولا أريد إدانة أحد بشيء
وكنوع من إضفاء صيغة للحياة في البيت
اشتريت حوض أسماك، وأسماك
فلا تكفي قراءة الكتب والكتابة والتلفزيون
والطبخ والنوم
لجعل البيت مسكوناً، خصوصاً أنني لم أعد أؤمن بالعفاريت ولا وجودها
أخذت وقتاً للتخلص من ذلك، ففقدت ونيساً أصيلاً، كان يجعلني أجفل كثيراً
من كثرة تحركاته في البيت، إذ يجعل بعض الأشياء تتحرك من أماكنها
ولم يكن عليَّ إلا ترك نور الغرف مفتوحاً
لم تمر أربعة أيام على السمك، ماتت السمكة الأولى، وبدأت أزيد الحرص على السمكتين الأخريين
ماتت الثانية
وماتت الثالثة، فكتبت فيها قصيدة
واستغنيت عن الحوض وأدواته
وقتها كنت أبحث عن معادل يجعلني أتحمل وجودي الوحيد
العصافير مزعجة، والقطط أيضاً
كل الحيوانات بمثابة أفراد عائلة تحتاج إلى رعاية
وأنا لست قابلاً لتحمل المسؤولية وأنا معهم، فما البال إذا كنت مسافراً
السلحفاة
هي الحل الوحيد، بطيئة في الحركة، لذلك تعيش طويلاً
ومهما تغيبت عن المنزل لا خوف عليها من الموت طالما هناك الكثير من الطعام
أخيراً من الممكن أن أدبر معادلاً بسيطاً يقيني من الوحدة على مضض
فالحياة تحتاج أيضاً لجزء من الأفكار لكي تستمر
إنما وطوال الوقت الذي أجلس فيه بالبيت وقد وضعت سلحفتين أمامي بجانب التلفزيون
لا تصدران أي نأمة دليلاً على الحياة
أترك لهما الخس وأخرج
أعود لأجد أغلبه مأكولاً، هذا دليل على أنهما ليستا ميتتين
لكن ذلك ما ليس أريده، تمنيت أن يتحركا ولو مرة واحدة في اليوم أمامي
وإلا لماذا قمت بتلك المغامرة
اعتقدت وهناك دلائل كثيرة على ذلك، أنهما تعرفان تماماً ما أريده
لأنه في بعض المرات التي أدخل فيها إلى الحمام، أعود وأجدهما قد تحركتا من مكانهما
لم يهمني البحث في طبيعة حياة السلاحف، فالأمر شخصيّ جداً
وهي ليست مؤامرة منهما بالتأكيد، لكنه إثبات آخر على ضرورة التخلص الدائم من العائلة، رغبة في التحرر من أعباء تاريخية، ومستقبلية بالضرورة
نفي أدوات الوقت
ليست هناك ضرورات منطقية لأي شيء
فهناك مسارب لا حدَّ لها
والدعة الوحيدة في الموت هي أن كل شيء انتهى
لا أصوات، لا حراك، لا تخزين بصري لكل ما يمر واقعاً
أو خيالاً في أذهاننا
ولو حاول أحدنا بشجاعة محاربة الوجود
لن يجد سوى مساعدة ضئيلة من النسيان
فالآلام لا تني تبرح رغبتنا في استبعادها،
حتى تعود مرة أخرى، بحجة الحياة المستمرة
أقراص المنوم، الكسل، التماهي مع الأميبا
سعة الغرفة المغلقة بالسرير والستائر
مع نفي أدوات الوقت
وكل ما يمكن أن يشي بأن الراحة هنا معلقة من شجرة من الجنة
لا يستطيع أن يطرد الاكتئاب عالي الوفاق مع الظلام
هنا تماماً تعمل الحياة
ليس بإمكانها فهم الشمس فقط
لكنني وأنا أحاول أن أفهم لماذا كل هذا السواد
أكون قد فقدت عشرة كيلو جرامات
وكشفت عن الطبقة الحية تحت الجلد،
يذهب وجهي إلى البَرَص، وتنزلق عيناي إلى العمى
لا عيش سوى للفكر المجرد
وبعض آلام في الرقبة..
المتعبدون القدامى في الكهوف بلحاهم غير المشذبة
يكتسبون مسحة الحكمة العاقلة
قليلو الكلام، غائرو النظرات، هادئو التحرك
هكذا بالإمكان أن تجد مثلهم كثيراً في مستشفيات الأعصاب
فوحي الأدوية ناجع، حكمته سيدة نفسها
وأنبياء الاكتئاب خلايا جذعية لكل حياة زائدة عن حدّها
أما الوحدة، تلك الحدّ الفاصل بين باب البيت والشارع، فيجب عليّ أن أفهم أنها وبرغم توافقها التام مع الانتحار والعزلة الجبرية والاختيار وكل ما شابه ذلك، في معبد أو دير أو شهر عسل، برغم ما يبدو أنها ضد استمرار النوع
فلا يوجد ما هو أقوم منها قرابة للذات
Coda
يُشَكِّل النور أو الضوء عنصراً لإثبات واقع الشيء قبل حقيقته، كما أن خبرة النور تتجاوز استخدامنا اليومي لها عبر الشمس أو القمر أو الشموع وخلافه، إنها خبرة تُؤرخ لتواصل أبعد مع كرتنا الأرضية عبر مجرتنا ومجرات أخرى لا نهائية، فعندما تتحدد مفردات معينة لإنجاز عمل يتقَرَّر أن ما انبنيا عليه وَهْم استعادة تاريخ أضخم منا توقاً لاسترجاع الحياة في مثالية مُفترضة
لا يموت الحب في السرير
لا يطمح الرمل لتصفية نفسه من الموج
أنت كنت تقول حزام النافذة الله
كل هذه الظنون في جسمك
لأننا في فصل الشتاء
هناك تحوير حتى لليد المتلمسة
من هي هذه الغرامات
الطبيعة مرة بلا لسان
وأنا إذا اتجهت إلى الأعين
النافذة
حجر بمستواه الحي
يشرب ولا يرن
قلبي مسألة لا تحميها أعضائي الأخرى
اللحظة التي يبدأ فيها تفكيراً طارئاً
ليس لأن معنى الأشياء منتهٍ أصلاً
ليس لأن القيم يتم إعدادها سلفاً
تموت الزهرة مكونة شبقاً ليس له معنى
فعبر ما يمر جنبك
أو خلالك
ما الذي تدعوه ليدخل البيت من الباب
مُعَدٌ بإصرار لا يعوزه سوى تاريخ معين للتحايل على الألم
————————————————————–
النصوص من كتاب “عن كيف يمكن للعبة أن تلد” (نص شعري وتأويل بصري) يصدر قريباً عن “اتحاد كتاب وأدباء الإمارات”.
*****
خاص بأوكسجين