رحمٌ منهك – دمٌ قديم
العدد 272 | 29 تموز 2022
مريم الدوسري


 

صدأ المفصلات يخضب كفيها،

يدفعان، في قفرٍ كلما ضاق اتسع، إطار باب ورثته عن نساء محدودة الأطر-

إطار باب عظيم، خشبه ساج أسمر منخور، زخرفه عربي مزهر، مخلوع الباب فلا يقفل، ولا مقارع له فيُطرق، فيُفتح.

تبحثُ عن جرائها السبعة.

تطبقُ عينيها تحت حاجبين مزّمومين، تستلُ من بين قروح شفاهها أنفاساً مكابرة. يشفشف عرقها الشحيح جلدها قديداً، قرباناً تقدمه لليباب من أجل ظلٍّ وضالّة.

تَسْرُبُ حتى الركب في كثبان تموج بجمرٍ يخبو،

تقتفي حدساً،

تستقرأه شيهانة من علوٍ قبل أن يَطْمِسَهُ دبيبٌ ويُطَلْسِمَهُ فحيح.

وتُجَنِّ حين يَجِنُّ الليل كابياً يشاركها الرمد. يكزّ البرد عظامها يكادُ يُخَلِّيها. وتكادُ الريحُ تذروها ندفاً إلى حيث غبارٌ تثيره طريدةٌ ومطاردٌ، يشير بسيفه إلى اليمانية.

أنَّتْ الريح تحملُ كهانة بومةٍ زرقاء اللواحظ، متربة المحاجر، تنبأها بأن الطرفاءَ- يابسة العذوق ساخطةً، تضرب بجذورها عرض الأرض وتبصق في وجه السماء، تقترب.

يضطرم دمها رغم القرُّ محموماً، يذكي سعير فؤادها، سعاراً ملجوماً إلى إطار الباب.

سَغْبَى تُنيخُ عند الطرفاءِ إطارها، تُعَفّرُ الأديم حتى تجد فيه جرائها.

لها رائحة رحمٍ منهكٍ ودمٍ قديم، تُصَأصِأ، تَدُسُ خُطُومَها تطلبِ في دفءِ الرملِ ضروعاً فلا تجدْ. تَضُمها إلى صدرها الأعجف تَسْتَدِرُ ألماً. تقبّلها، تُهَدْهِدُها، تُشَمْشِمُها، فيَدُّبُ من غور سرّتها خدرٌ يحشرجُ حنجرتها في عواء.

تُقْعِي، تتناولُ الجراء الواحد تلو الآخر. تَقْضِمُ منها البطون، غضّةً، فتندلق منها الحوايا، تَقْطِر.

بين جرو وآخر،

تَمْسَحُ فمها بظاهر الكف. تَرْهَمُ بالدم الحُزوزَ على وجناتها المسفوعة. تُزِيحُ عن جبينها خصلاً غبراء اصطبغت بالحمرة تطلقها للسماء. تُمَزْمِزُ عن شفتيها الدمَ وتَتَحَسُ بلسانها ما علق بين أسنانها، ولا يني عَزمُها حتى تَلْفِظَه على الأرض. تَفْرِدُ أصابعها وتَقْبِضُها، تُعَاينها، تَدُسُ الظفر تحت الآخر تنفضُ ما علقِ تحته من مخاطٍ قان اللون له طعم المعدن.

عيناها حجرا صوانٍ يقدحان سمرتها، إطارها والأفق، ويداها تعالجان اللُّقَمَ، لا تتركان شيئاً إلا ليتلقفه خواءُ حُضْنِها أو ترفعانه زوادةً تذخرها الطرفاء ليَبَس قادم.

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من البحرين