دمية بلاستيكية مطلية بالكاكي
العدد 228 | 10 آذار 2018
ماهر راعي


 صديقي قرر أن يكتب الحرب

ليس الجنود دمىً بلاستيكية مطلية بالمارينز

ليجمعهم الصبي حين يملّ اللعب

ويعيدهم إلى الكيس

أو ربما يغفو مرة ويتركهم ساهمين في العتمة خلف الدشم

يقضم البرد من أكتافهم الحادة ويستمر على طول العمود الفقري.

صديقي شاعر يكتب -على هيئة قصائد –

ذكرياته عن الحرب حين كان جندياً

أقسم لي أنه رأى أكثر من مرة أقداماً ماردة تدوسه

وتكرر له في كوابيس اعتادها أن كلباً ضخما رفع ساقه اليسرى

وبال عليه بهدوء ونشوة

حيث كان يقعي في زاوية معتمة طالما ظنها لسنين أنها المكان الأكثر أماناً.

قال: ومرة حلمت أنني دمية بلاستيكية مطلية بالكاكي نسيها صغير ما

ليدوسها الأب آخر الليل حين يعود من التدخين،

ثم ليعثر بها الأخوة في الصباح التالي فتسقط الأم على وجهها.

قال: إن أكثر ما كان يرعبني في هذا الكابوس كوني بلا بندقية

كنت ذاك الجندي الذي يحمل جهاز لاسلكي وأحيانا أكون ذو الرايتين المتقاطعتين

ورطة مقيتة أن تكون أعزل في كابوس مديد ..

ابتسم بصعوبة وأردف: تخيل لم يكن ذاك حلماً

فأنت حين تفكر كيف ستكون قاتلاً لمجرد أنك مقتولٌ تصير الأحلام مستحيلة

أو بعبارة أخرى يصير الواقع أكثر غرابة وأشد مضاضة من كابوس ..

صديقي شاعر ثلاثيني.. ليس مشهوراً

لكن على الأقل

تعرفه جميع خراف القفز الممل تلك التي تم إحصاؤها

في ليالي الجيران أولئك الذين ضيعهم عن عمد إله النوم.

تعرفه جميع الجوارب المركونة جانباً تنتظر بصمت

أزواجها التائهة في مكان ما من المنزل ذي

الإضاءة المتسخة

صديقي طائرة ورقية مهترئة فوق شجرة التوت في الحي الغريب

لازالت تنتظر منذ أعوام مضت معجزة لا تقدم ولا تؤخر.

تعرفه جميع التذاكر

وحتى تلك الرقيقة منها

التي صنعت خصيصاً لركاب سيدرجونها على شكل أسطوانة نحيلة

وقبل أن يغادروا الباص يحشرونها بقسوة في ثقوب المقاعد الضيقة

ثم يمضي كل إلى عمله كأنه قتيل يتمطى في شرفة مهدومة.

 

ثم فجأة

لا أرى في مناماتي إلا قصائد يشدها الشيب من شعرها

وعلب كبريت تندلع دفعة واحدة.

أرى ثيابي تهرب عن المنشر

لتلعب مع الأولاد في الحي القديم

لكنهم يتخشبون ما أن تقترب وتصير بينهم

يصرخون: شبح شبح

ثم يتركون عدة اللعب

كرة مخفوتة ومقشرة

دواليب كانت لسيارات فقيرة،

وبعض الكذبات البيضاء من مثل أن لأحدهم هرا بفراء كثيف ومموج،

أو أن الآخر يملك ببغاء يتقن شتائم مخجلة

ويهربون إلى أحضان أمهاتهم

المشغولات بتقميع مواسم الخضار.. يجدّون في العمل كأنها أعضاء كل ذكور هذا الكون

ثم تعود ثيابي باكية مخذولة

تتصرف كأي ثياب عادية على منشر عادي تتراقص مع ريح خفيفة وباردة

… لا أرى في مناماتي سوى مقامر يصفر كأنه نبي نادم وخاسر وطيب،

وأرى قوادة تضيف الملح إلى الطبخة التي على النار

ثم تغطيها وتنشغل بجرح أسفل الركبة

بينما تقشر إحدى بناتها بقايا ندبات بين نهديها

وتجسّ ألماً قاتلاً في الحلمة اليسرى

ثم فجأة يمر صبي يُمقته أنه لا يعرف معنى كلمة ويسكي بالضبط ..

أرى طيراً أصابه الصرع

ثم فجأة يموت ثم يعود ويطير ثم يسقط ثم يطير ثم يستند إلى الإسفلت بمنقاره

لأستيقظ فجأة وأرى رأسي مهشماً وعنقي محزوزاً بلطف وأناقة ..

لا أرى في مناماتي إلا بياضاً ممتداً بياضاً مملاً بياضاً مخيفاً..

لا أرى في مناماتي أي أثر لصوت أبي، أرى خرساً وأرى عماء لا ينتهي وصمماً..

منذ زمن لا أرى منامات يمكن حملها إلى الجدة

لتفسّرها بضحكة حلوة ثم تشير لي أن أناولها مشطها العاجي وطاسة ماء قريبة..

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من سورية. صدر له "مرمية هكذا في الهواء"" 2014"