تعلن أوكسجين من خلال هذا الحوار إطلاق زاوية خاصة بالحوارت التي سيجريها على التوالي الشاعر الجزائري خالد بن صالح، وهي محاولة خاصة وحثيثة للإضاءة على عوالم كتّاب ومبدعين أوكسجينين أو غير أكسجينين وضبطهم متلبسين بإبداعاتهم وعيشهم وحيواتهم، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للّقاء في مربع “الشات” على “الفايسبوك” ليمضي بن صالح في دردشة حية ومباشرة مع من يحاوره: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات مكثفة أيضاً من دون تحرير أو تنقيح، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.
أولى هذه الحوارت هذا الحوار مع الروائية والقاصة الليبية نجوى بن شتوان:
– كيف بدأت الكتابة؟
– سؤال صعب لكن ..
– لكن لا مهرب منه ..
– أتذكر أول مرّة انتبهت لنفسي كان عمري 11 أو 12 سنة كتبت وصفاً لرحلة مدرسية سيئة جداً.
ممكن لأني تألمت منها كثيراً.
– ما الذي آلمك؟
– كانت سيئة كلها وهي أول رحلة مع مدرستي وآخر رحلة.
– ورحلة الكتابة لا تخلو طبعاً من الآلام
– بالطبع.
جلست أنقح النص ثم كتبت آخر ساخرا بعده ثم تطورت قدرتي التعبيرية عندما كتبت كل رسائل الحب للبنات في فصلي. تلك الموجهة لأصدقائهن في مدرسة الأولاد.
– كاتب أو كتاب أدهشك في بداية تجربتك؟
– قرأت الكثير بالاستعارة لأني ولدت في بيت أمي.
وكانت قراءاتي في البداية دينية.
– ما الذي حولها نحو الأدب؟
– حوّلها أنني أصبحت في الثانوي وتعرفت على صديقة في بيتها مكتبة
بدأت استعارة من نوع آخر
تعرفت على الأدب الروسي والفرنسي الكلاسيكي.
– جميل، عنوان رواية أو اسم كاتب ظل يطاردك منذ تلك الفترة؟
– لا أحد طاردني كما البحث عن كتابٍ جميل كُتِب بطريقة شيقة
في مراحل لاحقة بعدما صار لي استقلال مادي أصبح بإمكاني اختبار نماذج من القراءة متنوعة.
– هل من كاتب عربي يعتبر عظيماً وتعتبرينه تافهاً؟
– لا أحد تافه ولا أحد عظيم. أنا غير مهتمة بالاسم مهتمة بالجودة وما يشدني
قد تجد كاتباً كبيراً لكنه يكتب عملاً متواضعاً يصدمك أو لا يعجبك
عندما تعرّفت على الأدب اللّاتيني سحرني أكثر، وما زلت أشعر بنفسي لم أفقد إعجابي به، تكونت عندي علاقة جديدة اسمها المترجم وصرت أهتم باقتناء أعمال ترجمها صالح علماني او أسامة إسبر.
– سحر ماركيز أم صنعة يوسا أم عبقرية سراماغو؟
– كل تلك الخلطة اللاتينية رائعة أضف إليها الرائع بلا حدود غاليانو.
– طبعاً لا شك في عظمة غاليانو … صفي لنا نجوى بن شتوان لحظة الكتابة؟
– لا أعرف. وضعٌ معقَّد ومختلف عما كنت عليه في ليبيا.. عندما اتصلت بي كنت أكتب وأعد عشائي.. أحيانا أكتب طيلة اليوم نصاً واحداً بشكل مُتقطّع. وأحياناً أتركه وأذهب للتَّمشي ثم أعود اليه.
لكني أنتبه لنفسي عندما أصحو لا أحب مغادرة سريري طويلا.. تأتيني الأفكار دائماً كوجبة إفطار سماوي. لا أقرر ماذا سأكتب لكن بمجرد حضور الفكرة أجلس إلى جهازي ويبدأ العمل عليها.
– تستهلين أحد نصوصك بالتالي: “أنا إنسانة غريبة أحب وطني” … كيف ترين ليبيا اليوم موقعك في إيطاليا التي تقيمين فيها؟
– ما زلتُ إنسانة غريبة
بل غريبة جداً
على ضفة المتوسط الأخرى
في إيطاليا تحققت لي الخلوة بليبيا
أمضيت عاما في قرية جبلية معزولة لا أتكلم مع أحد. أكتب وأقرأ عن بلادي
كانت أطروحتي عنها ما زاد غرقي فيها. وكنت أتلقى أخبارها من النت.
– بالعودة الى رسائل الحب لزميلاتك في الفصل الدراسي.. ألم تكن انطلاقة جيدة للتميز في كتابة المسرح والشعر والقصة والرواية والدراسة الأكاديمية؟
– كل تجربة مفيدة ومثمرة حتى وإن لم تظهر نتائجها حالاً
رسائل الحب التي كتبتها كانت أكبر من المرسل والمرسل إليهم. وجدت نفسي أكتب للكل وكلّ الأولاد يجدون الخط واحد والكلام مختلف فيتركونهن ويسعون لمن كتبت.
– لو كنتُ مكانهم لفعلت نفس الشيء،
حسك النقدي السياسي واضح وجارح ويشفي الغليل كما يقال، هل هو هاجس إبداعي آخر؟
– السياسة تفرض نفسها عليَّ في الكتابة
وإن كنت دائماً أجدها مادة للسخرية
– البحث عن الكاتب في زمن يقال بموته أمام النص؟
– يوجد دائماً نص رائع لم نصل إليه
ولا يوجد موت.
بعض الأحيان لا أقرأ أدباً بل فلسفة أو أديان أو سياسة وأجد ذلك النص.
– على صيغة أحد عناوين نصوصك، هل من معلومات يجب نشرها عن الحظ؟
– الحظ؟ عن قلة الحظ أكيد وهو أيضاً حظ.
– على ماذا تشتغلين في الوقت الحالي؟
– اليوم تقصد؟
– ليكن، نعم اليوم؟
– اليوم أكتب قصة أعتقد أنها ستكون من حظ أوكسجين
ولدت فكرتها منتصف النهار.
انتهيت الأيام الماضية من تعديلات روايتي الجديدة وأنا متشوقة للخلاص منها.
– على ذكر أوكسجين، ماذا عن تجربتك معها؟
– أوكسجين تعرفت عليها في بداية دخول النت إلى ليبيا. كانت موجودةً فقط في مقاهي عامة مراقبة وكلها رجال… كنت أتردد على أكثرها حشمة حتى تكونت معرفة بي، وكنت أبحث عن نفسي في هذا الفضاء الكبير، ذات مرة أطلعني صديق عليها.. أشبعَت فضولي وصرت أترقبها وأحتفي بها عندما تصدر. الحقيقة لمست فيها أنها أوكسجين صادق وليس أي شيءٍ آخر يجري ويسمونه أدب أو ثقافة.
– هل لنا أن نعرف عنوان الرواية؟
– “زرايب العبيد” وستصدر عن الساقي عندما ننتهي من بعض الإجراءات.
الزرايب حي شهير في مدينتي بنغازي، كان مخصصاً فقط للرقيق.
– إذن لازالت الملكة تحلم بتحرير العبيد؟
– يبدو أنهم قدري
أطروحتي أيضاً عن تجارة الرقيق.
– ماذا تقولين للعالم؟ وسط كل هذا الخراب العربي؟
– أعجز عن قول شيء وأريد أن أقول أشياء…
نعم إنَّه خراب.
كل شيء انهار وتداعى في مرة واحدة…
– ننتظر أن نسمع ونقرأ كل تلك الأشياء في كتاباتك القادمة؟
– المرحلة تفرض نفسها على عقلي الباطن والظاهر.
– كيف تبدئين يومك عادة؟
– عادة أنا أنام قليلا.
في إيطاليا اختلفت عليَّ التواقيت والمهام .. الدراسة في المرحلة الأولى كانت
تقليدية وتحتم عليَّ الانضباط. ثم تحرَّرت وأصبحت أصحو باكراً، أعد قهوتي وأصلي وأطالع الأخبار ثم أشرع في الكتابة.
– هل كانت لك أمنية أخرى غير أن تكوني الكاتبة نجوى بن شتوان؟
– نعم لم أتوقع أن أكون كاتبة أو أكاديمية
كنت أريد عملا يدوياً يتعلق بصناعة الجمال أو الفن: نحت الخشب وصناعة الأثاث أو الفخار أو فك وتركيب الأجهزة.
أحب العمل اليدوي وأكره الحياكة.
– لماذا؟
– نساء عائلتي من الجهتين خياطات ماهرات. أمي كانت تريدني مثل جدّاتي وعمّاتي.. أفسدت أمنيتها وصرت كاتبة ومحاضِرة.
– أجمل إفساد لأمنية هذا، كيف هي علاقتك بالدين وبالله؟
– لازلت أحافظ على فطرتي البسيطة كما تعلمتها في البيت والمدرسة…حد معقول من كل الشعائر. أما الله فكلما كبرت صار لي معه كلام آخر.
– من أي نوع؟
– لا نوع له سوى أنه من حقي أن أتحدث معه بحرية ومن حقي عليه أن يسمعني وألا يربط حديثي إليه بدعاء وإلا فلن يسمعني.
– ماذا تتمنين كأم لابنك؟
– أتمنى أن يهبه الله القدرة على أن يظل خيّراً مهما حدث في هذا العالم من سوء وألا ينتظر من أحد شيئاً
حتى أنا.
– ماذا عن الغد؟
– أتمنى أن أكون موجودةً فيه
إنه حياة جديدة،
فرصة لكتابة شيء لعله أفضل ما أكتب.
_______________________________________
*قاصة وروائية من ليبيا صدر لها العديد من الروايات والمجاميع القصصية منها: “وبر الأحصنة” 2005، و”مضمون البرتقالي” 2008، و”الملكة” 2009، و”الجدة صالحة” 2013.
*****
خاص بأوكسجين