ليس من ضوء في آخر النفق
هناك قطعان من الخرفان والبقر والماعز
وماشية أخرى من الصعب تحديدها
وجدت في الضوء مراعي لها
راحت تقتات عليه
تجتره
وملأت سائر الأرجاء التي ينتهي إليها النفق بالبعر والخراء
كان على من خرجوا من هذا النفق الطويل أن يحتفلوا بالروث الحيواني الذي كان ينتظرهم كما حقول الألغام، وروى شهود عيان أن أعدداً كثيرة من رواد النفق انفجرت بهم هذه الألغام، وغمرتهم بالبراز والأمل.
وفي هذا السياق ظهرت آراء عبقرية أكدت أن الروث الحيواني وما احتله من مساحات شاسعة تحول إلى سماد عضوي تشكّل جراء الاجترار المضني للحيوانات، وبما أن أصله من الضوء، فإنه من الضروري والتاريخي أن يعود الضوء وينبت من جديد، فأصل الحكاية الضوء وليس الروث.
انتظر من خرجوا من النفق طويلاً تحقق ذلك، إلا أن الأمر ازداد سوءاً، كما أنهم أخرسوا كل من قال أن كل ما ينبت من الروث سيكون معتماً وقاتماً، ومن المستحيل تحوله إلى الضوء، وقد اتهموا هؤلاء بأنهم خونة وسفلة وما إلى هنالك من صفات جاهزة يسهل الإلقاء بها في كل مكان وزمان.
لكن هذا ما حدث فقد أسفر السماد العضوي الخرائي عن بروز نباتات حالكة السواد، أزهرت أزهاراً بنية اللون ملأت الأرجاء والأضقاع برائحة البراز، وكان كل من يقطف واحدة من تلك الزهور يبقى إلى أبد الآبدين حاملاً رائحتها، وقد كان هؤلاء هم الأكثر حديثاً عن الشذى والعطور، كما لعب عدد آخر من رواد النفق دوراً بارزاً في تطوير هذه الزراعة وضاعفوا من مساحة زراعة النباتات حالكة السواد، إذ أصبحت مساحات مترامية ذات جغرافية وتضاريس محددة، معتبرين الأراضي التي احتلتها هذه النباتات مثالاً ساطعاً على الوطن المرتجى، الوطن المشتهى، الوطن الذي تتنشق فيها رائحة الحرية ممتزجة برائحة البراز الحيواني المتأتي من اجترار الضوء، الضوء الذي هو أصل الحكاية وفصلها.
________________________________
روائي وشاعر من سورية صدر له شعراً “قبل الحبر بقليل” 2000، و”ملائكة الطرقات السريعة” 2005. من رواياته: “بر دبي” 2008، و”ديناميت” 2012.
الصورة للفوتوغرافي الأمريكي ألفريد ستيغليتز (Alfred Stieglitz) 1864– 1946
*****
خاص بأوكسجين