“راني ميت” .. من أجل حفنة من المال وقناع غوريلا
زياد عبدالله


لا يمنحنا المخرج الجزائري ياسين محمد بن الحاج في أولى تجاربه الروائية الطويلة “راني ميت” فرصة للبحث عن ذاك الذي يقول لنا “ها أنا ميت” كما لو أن أفعال الشخصية الرئيسة في الفيلم هي أفعال ذاك الميت إلا أنها محتشدة بالحياة، بالصراع للبقاء على قيد الحياة، لكن بأدوات القتل أو للدقة بأدوات مجابهة القتلة، في تحويل للموت إلى كائن قائم بذاته لا حاجة له بأن يذيقه أحدهم لآخر.

 

يأخذ بن الحاج من أفلام العصابات “الغانغستر” بما يمضي إلى أبعد من “الأكشن” بوصفه مطلباً تشويقياً، مؤسساً لحكايته التي قد تبدو للوهلة الأولى قصة معادة في مئات الأفلام، أي أن يُقدِم أحدهم على سرقة سيارة فإذا بها حقيبة مليئة بأموال تخص قاتلاً محترفاً، لكن ومع القول أن هذه الحقيبة على شكل “حمار” فإننا سنكون حيال منعطف بأسلوب الفيلم وهيكله العام، أي أن هذا التفصيل التزيني سيكون مفصلياً للمضي خلف ما يقدمه الفيلم، وعلاقة الشخصية الرئيسة “سارق السيارات” بابنه الذي يسأل والده أن يحضر له قناع غوريلا ليشارك في مسرحية مدرسية لكل طالب فيها أن يتخذ دور حيوان، تفصيل آخر قد يبدو تزينياً لكنه مفصلي أيضاً، إذا سرعان ما يكون توظيفه على صعيد الصورة والسرد عاملاً رئيساً في تميز هذا الفيلم، وخصوصيته، وصولاً إلى القول إنه فيلم يسعى لأن يكون أصيلاً.

 

ما بين التزيين والأصالة نحن حيال مخرج وكاتب منشغل بتكوين المشهد، ولعل مشاهدة الفيلم ستدفع بالمشاهد للخروج  بمشاهد أساسية في الفيلم تتحلى بتلك الأصالة سابقة الذكر، وهي مصاغة على شيء من الفرادة، حين يهرب القاتل من حاجز الشرطة الذي يوقفه، ولقاء القاتل مع سارق السيارة، والطريقة التي يهرب فيها الأخير، ثم ذاك المشهد الليلي – الأكثر أصالة –  واللقطة الطويلة لـ “سارق السيارات” حين ينتابه الخوف بعد هربه وتنقطع الكهرباء في بيته ويمضي في العتمة ولا شيء يضيء دربه إلا هاتفه المحمول بينما تظهر على الشاشة أمامه صور متلاحقة لها أن تضيء على كل حياته التي تكون مجهولة بالنسبة إلينا بداية، وصولاً إلى الطريقة التي يحصل فيها على “قناع الغوريلا” والكيفية التي يعذب فيها ابنه للحصول على ذلك القناع.

إن تفحص ما سبق سيدعني أمام القول بأنني تقريباً قد مررت على مجمل الفيلم، باسثناء النهاية التي مهما فعلتم لن يكون بمقدوركم توقعها.

إنه فيلم يبشرنا بمخرج استثنائي، وفيلمه الأول هذا بشارة سينمائية كبيرة، حيث صراع الفيلم الرئيس يستثمر في  المفردات البصرية مثل قناع الغوريلا والحقيبة وحتى الابن بنظاراته السميكة ، وكل ما في الفيلم يمتلك غرائبية خاصة تستقي إلهامها من أفلام “نوار” Noir ، وأفلام تارنتينو”، وأفلام سيرجيو ليوني، إذ إن الفيلم فيه كل شيء ولا شيء في آن معاً من تلك المرجعيات السينمائية.


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.