كنت وحيداً تماماً… ومضرجاً
مضيت، ومضيت أكثر، والمسافات أبقت على كونها مسافات.
لكنهم تعرّفوا عليّ، وحملوني في سيارتهم، وقالوا لي، عد إلى إغماض عينيك حتى يجفّ دمك.
فأغمضتهما.
لم يكن من نزيف، كنت مضرّجاً فقط.
حين فتحت عينيّ تعرّفت عليها، كانت على يميني، أمسيت مضرّجاً بها فقط.
لم يكن من مطر، لكن السائق شغّل ماسحات الزجاج الأمامي، وصرت منوماً بها وهي تمضي ذات اليمن وذات الشمال، إلى أن أغمي عليّ فتلقفتني في حضنها، والإغماءة تلك توالت معها إحدى عشرة إغماءة، وكان الطريق وعراً مليئاً بالحفر والمطبات، ورأسي متمرغاً بحضها، متمسحاً بحنانها عند وردتها الهلعة.
رفعتني عن حضنها وقد صرت مبللاً بأسرارها، فإذا بي منعكساً على زجاج النافذة.
ولم تأبه بالطريق، وقد كانت صورتي المنعكسة الطريق ومشاهده كاملة..كما قالت لي..وكم صدّقت!
أبقت المسافات على كونها مسافات، في ذهابي إليها وتضرجي بها، ومن إيابي إلى المجهول وحيداً لآلاف الأميال عنها، ولم يكن من مسير، أمسى الانتظار مظهراً ثابتاً، رابضاً متأهباً في ذات المكان، متلفتاً ذات اليمن وذات الشمال.