أدخن سيجارة مُطفأة، أترك المشتعلة وحيدة تناديني بدخانها.
كلما شاهدت فيلما مكوناً من لقطة واحدة داهمني كابوس لعين.
تلك حقائق لا تؤذي أحداً!
ألا اللعنة على اللقطة الواحدة، ومَنْ يريد أن يتطابق الزمن الواقعي مع زمن الفيلم الافتراضي.
شاهدتُ فيلم “فيكتوريا” لسبستيان شيبر، وكعادتي مع كل فيلم مكون من لقطة واحدة داهمني كابوس لعين، نهضت هلعاً وأنا ألعن الفيلم والمخرج وكامل طاقم العمل لدرجة نسيت فيها الكابوس وباءت محاولاتي بمعاودة النوم بالفشل.
نومي مضطرب أصلاً منذ زمن طويل، وكنت يوم مشاهدتي “فكتوريا” قد بدأت خطتي بالقضاء على هذه المهزلة بحبة منوّم خارقة – أي أن “أنام حتى الزوال” على رأي بوكوفسكي ونصائحه في قصيدة “كيف تصبح كاتباً كبيراً” – بما أنني أنوي ذلك – أي أن أصير كاتباً وكبيراً بحجم ماموث أو ديناصور أو أي من الحيوانات المنقرضة وأن يأتي أحدهم ويقول لي إنني بيرق الإبداع ونبراس الأجيال.. ما زالوا يستخدمون هذا الهراء “بيرق” و”نبراس” في تنويع على “الكبير” من دون تحديد حجمه تماماً..
أهرب من استطرادي فيما سبق وأعود إلى فيلم “فيكتوريا” فأنا شاهدته عصراً، وفي الليل أخذت حبة منوم ومع ذلك نجح الكابوس نجاحاً مبهراً بالقضاء على مشروعي المعنون مبدئياً بـ “النوم الكبير” وقد أمسى نوماً صغيراً لم يتجاوز ثلاث ساعات.
ها أنا الآن أفكر بـ “فكتوريا” على طريقة أنطونيوني “لا بد من وجود سبب لكل فيلم”، والسبب الوحيد الذي خلصت إليه هو التسبب لمشاهده المسكين الذي هو أنا بكابوس مرير وإفشال كل مخططاته النومية، كما حدث معي حين شاهدت فيلم سبيرو ستاثولوبولس P.V.C – 1 “بي في سي 1” وقد كان أثره مدمراً عليّ بما يتفوق على “فيكتوريا”، مضافاً إليه فيلم شهرام موكري “سمكة وقطة” بأثر كابوسي أقل، وكلاهما مكونين من لقطة واحدة.
فيلم بلقطة واحدة ليس مزحة بل هو بالتأكيد لعنة قاتلة، أي أن تصير أصغر وحدة فيلمية وهي اللقطة كل الفيلم، بدل أن يتألف مما بين 450 إلى 600 لقطة فأكثر. كذلك الأمر بالنسبة الى المشهد كوننا سنكون أمام وحدة زمانية ومكانية واحدة، وبالتأكيد “سيكوينس” واحد.
وهذه أيضاً حقائق لا تؤذي أحداً، أحزمها بـ “حبل” هيتشكوك، وأعبر على متن فلك سوخوروف الروسي، وقد نجوت من كوابيسهما بسهولة، وأنا أريد الأفلام حيوات وأعمار ومصائر أصدّقها جميعاً من دون أن تتطابق وزمن واقعي ينحرني ليل نهار.