لم يكن توقيتا مناسباً!
كان ينقصه استحضار إحدى عشرة حاسة إضافية في القصر الذي تداعت غرفه إلى غرفتنا، وانقضت عصورٌ وهو يتوقُ لأن يستمسك بلحظةٍ، بهنيهةٍ، والنفسُ تلو النفس، ولا نجاةَ من اختناق.
ولم يمهلنا قبل أن نصل، والبابُ لا نقوى على فتحه من كثرة البحرِ خلفه، والسفينة أيضاً غرقت وهي تتوق لأن تحملنا بعيداً، من دون مجاذيف ولا أشرعةٍ، وهي تذكرني بين نفسٍ وآخر بأن لا نجاةَ من الاختناق.
على رؤوس الأصابعِ هبطنا، والمصعدُ تافهٌ في هذا التوقيت، لا طاقة لي لأن أسمع صريره المعدني، وقد كان صوتك وحيداً في الممرات، الممرات التي آمنت لمرة واحدة وللأبد أنها تفضي، وفي الغرفة المجاورة لم يكن من باب، والنافذة لم تقو على أن تطل.
هكذا بين غرفتين لم يكن إلا الخدر والاتقاد يداً بيد، وما من تضاد، بل ذاك البحر مجدداً يبتلع السفينة، والعتمة آخر ما تبقى منها، أيضاً كانت الصلوات مجيدة تماماً بالجسد، والخلود مأخوذاً بالدنيوي، مستسلماً له تماماً، والذِكر لا حكيماً ولا طائشاً، بل يرددها ويدوخ بأسمائها وصوتها يخرج من رحمها، تلده من بين ساقيها، ضيقاً للولوج، ضيقاً ليندلع ويهبني العبور مراراً ومرات.
متكئين على الأرائك كما في الجنة، على مطل الجهات المتبقية من أربع جهات ضاعت تماماً، ولم يكن للريح أن تتهور بهبوب وتطفئ شمعة أو تحرك شعلة لم توقد، والصوت المتبقي لم يكن إلا تأوهات، ألم أضحية شبق، إلمام كامل بالمتبقي من عشاء راحت الملائكة تخفق بأجنحتها ولا تحرك هواء أردناه راكداً مستقراً، مطبقاً على رائحة نبيذ مهرق على جسدٍ عارٍ، على تلقف الرحيق من باقة ورود تركت وحيدة في الغرفة التي لم تكن مجاورة، ولا تلك الغرفة، بل غرفة جديدةً تماماً، لم يُترك مليمتر منها إلا وبلله الشبق، ترنَّمت به وعادت إلى القصر مأهولة تماماً وستين غرفة أخرى تناجيها.