تتطلب هذه الأزمنة التفكير بالأطباق الطائرة والكائنات الفضائية وترقّبها، وكل ما بمقدوره تشتيت شمل واقع شديد الوطأة يطحن البشر لا لشيء إلا ليناصر الهراء المتسيد كل شيء، يطحنهم ليستخلص منهم آهات تستحيل جعجعة ليست بلا طحن، فهو وللمفارقة يكتفي بالجعجعة ويواصل الطَّحن.
الأمر أشبه بالأفلام التايوانية التي كانت تباع بالكيلو أيام الـ “في اتش اس” وأشاهدها بالكيلو فلا أعود أميّز القاتل من القتيل، ولا الخيّر من الشّرير، ولا مَنْ يطارد مَنْ، ولا أتذكر منها سوى سيَّارات “الداتسون”.
الطُّرقات متراميةٌ يا شباب، ووحدها سيارة “الداتسون” – وللدقة أو لإيجاد المعادل العربي لها فإنها سيَّارات “البيك آب” Pickup، التي لا تفارقنا وهي ترسم مستقبلنا وقد حُمّلت بمدفع رشَّاش – وحدها تستحق هذا الترامي المفضي إلى أرضٍ يباب تتيح على الأقل التفكير بأنها مكان مناسب ليكون مهبطاً للأطباق الطائرة أو “هجوم المريخ”1.
هجوم المريخيين لا شيء طالما أن بالإمكان هزيمته بالموسيقا، وبالموسيقا فقط، لكن ماذا سنفعل بمن يكرهون الموسيقا؟ ماذا سنفعل يمن يحرمونها، وهي كل ما لدينا لنقي أنفسنا من هجوم الكائنات الفضائية والأطباق المرتقبة!
التَّفكير بالكائنات الفضائية والأطباق الطائرة أمر صحيّ في بقعة تمرّست بالهزائم لدرجة ألحقت فيها الهزيمة بالمخيلة، فصار حتى كتّابها ومفكريها وفنانيها بلا مخيّلة، بل في أكثر الأحوال ينسخون من هنا وهناك، ويحققون وقائع معيدين صياغتها، وببغاءات تتلقط ما يحمله الأثير من هنا وهناك فيرددونه، وإن كان من فيلم مرّيخي ّعربيّ، فإن الموسيقا ستكون -كما في الفيلم سابق الذكر- كفيلة بتشتيت شملهم أو أي منتج تخيّليّ لابد وأن يجدونه مرّيخيّاً فوق طاقتهم.
كل الأمل بهجمة فضائية، إننا محكومون بهذا الأمل حصراً ولا شركاء لنا، ولا مخيّلة ولا موسيقا، لكنها أعيد وأكرر كل أملنا، وهي تقينا على الأقل من انتصار ديكتاتور تافه، وعسكري رعديد، وكل أخرق أبله يرينا الهراء حقاً ويسوقنا كالنعاج إلى اتباعه، وكل أخرق وأبله يعارضهم وهو نسخة طبق الأصل عنهم وقد اجتمعوا فيه.
_________________________
(1) فيلم تيم برتون Mars Attacks (1996)