إلى خالد الناصري
أستيقظ في الثالثة والنصف فجراً كما لو أني بُعِثت. إنها الأمصال في دمي رشقتني بروح إضافية غير تلك الضالة. روحٌ جديدة، متسلحة بالمضادات الحيوية، غير آبهة بآلام القولون والمعدة، وتلك الترهات البدنية، ثم إن الهلوسات نجحت بمرافقة تنقلاتي الكثيرة في المنامات، أبنية وشقق مشرعة الأبواب.
قالت سوسن إنني أثناء نومي الوجيز كنت أئن وأردد: ميلانو..اسبانيا. نعم لقد قال لي قائل مجهول في المنام بأن تلك الأبينة والشقق كانت هناك، فصدقت وآمنت ورضيت.
شربت قهوة بالحليب ..لم أذق الحليب منذ ثمانية أشهر ..يا للدقة! دخنت خمس سجائر على معدة ملتهبة، واستعدت شرياني السليب، وفكّرت بجدوى الوريد في ظهيرة غرزوا فيها إبرة فثانية فثالثة وأنا أقول: أسرعوا أسرعوا فدون كيخوته في أبوظبي. وسألت الطبيب: ألا يمكن التداوي بالبيرة؟ بالحب؟ أليس الحديث عن الكتب بكافٍ لإيقاف غرز الإبر؟ ثم إن سيارتي جاهزة وقد اسميتها “روثينانته” [1]وكلي جهوزية للانخراط في سلك الفرسان الجوالين.
السادسة والنصف صباحاً، التعرق على أشدّه “وزائرتي كأن بها حياء.. “وهل من دون كيخوتية أمضى من الكتابة والتدخين رفقة الحمى، وتدبيج شيء مثل: وأوقدت كلماتي من به وهن، وتصديق ذلك لأنك هنا، ومعاودة الانتصار مجدداً على ترهات الجسد، على عثراته بينما تنتظرنا سوية ميادين البهجة ونزالات المسرة والظفر، وقد انفتحت مغاليق المنام وظهر جلياً أنك دون كيخوته قادماً من ميلانو حاملاً رمحك الورقي، ومعك كل كتب الفروسية، وقد عرفتُ أين كنت في المنام من اسبانيا: “في ناحية من نواحي إقليم المَنْتشا لا أريد أن أذكر لها اسماً”[2]
———————————————————
[1] اسم فرس دون كيخوته.
[2] العبارة الافتتاحية في رواية “دون كيخوته”