القرف لنواصل
العدد 189 | 27 نيسان 2016
زياد عبدالله


كانت محاولة اغتيال فاشلة تلك الحملة الشعواء التي تعرضت لها أوكسجين من قرصنة وتخريب، وبدا من قاموا بها مصرين على قتل أوكسجين ورشقها بعدد من الطلقات الإضافية التي تؤكد لهم أنها صارت جثة هامدة تماماً، إلا أن الأمر لم يتعد بعض الجراح التي سرعان ما تماثلت منها أوكسجين وها هي الحياة تعود إليها من جديد لتبث أوكسجينها لكل من يتوق للتنفس بحرية.

يشكل القرف دافعا رئيساً لمواصلة هذه التجربة، وليكون القرف -للمفارقة – عاملاً إيجابياً يدفع للإصرار على الجمال والبراءة أكثر كاحتجاج أو صرخة وربما همسة، وهذا ما يشكل مساحة أوكسجين المترامية، فكلما اتسعت الرداءة وتمادى الظلم وازدادت العتمة في عالمنا العربي أمسى الاصرار أكبر على مواصلة ما نحن بصدده منذ عام 2005 من دون أن يفارقنا القرف مما يحيط بنا، لا بل الاشمئزاز ونحن نعيش في مزبلة التاريخ ولا حاجة لشيء أن يذهب إلى تلك المزبلة الشهيرة، فهي حولنا، يكفي أن تشاهد نشرة الأخبار أو أن تطل من شباك بيتك لتراها أو ترفع شادر خيمتك طالما أننا في صدد أن نكون لاجئين أكثر منا مواطنين، وقبل ذلك قتلى ومنتهكين ومستباحين.

لقد تعرضت أوكسجين للكثير، لابل إن هناك من قرصنها بعد أربعة أشهر من صدروها، وهناك دولاً حجبتها ثم أعادتها وأخرى حجبتها مرة وللأبد، هذا عدا عن تعرضها لحملات كثيرة، ومآزق تقنية لعينة جعلتها تتوقف ومن ثم تعود وغير ذلك مما له أن يشبه واقعنا ولعناته، واقع من يريد أن يكون مستقلاً غير مرتهن لجهة أو مؤسسة، رافضين على الدوام أي تمويل داخلي أو خارجي.

تعود أوكسجين كما الحياة، كما القدر، كما اللعنة، ولعلي استعملت  كلمة “العودة” كثيراً ها هنا في هذه الاستراقات  لكنها كلمة حقيقية ودامغة، وقد كنت على الدوام أكره استخدام عبارة لـ “أسباب خارجة عن إرادتنا” عند كل توقف اضطراري لأوكسجين، إلا أن توقف أوكسجين كان على الدوام لأسباب خارجة عن إرادتنا، والإرادة في مكان آخر، إرادة المواصلة والتطلع والمغايرة، وهذا لم يغب يوماً، ومتفوق بسنوات ضوئية على مجلات بميزانيات هائلة لم تنشر إلا الهراء، وأخرى تعتبر نفسها عريقة وقد أكل عليها الزمن وشرب، ومنابر يتلقط أصحابها الرزق من هنا وهناك. كانت الإرادة وما زالت مضيئة ومتوثبة دائما رغم تشاؤم العقل على رأي غرامشي، رغم القرف.

ختاماً، أشكر الصديق الأوكسجيني أحمد اسماعيل وشركته …. على ما تكبده من عناء في مجابهته الهجمات التي تعرضت لها أوكسجين واستعادتها مرات عدة وصولا إلى التحسينات والتطويرات التي أضافها، فأوكسجين بحاجة لتقنية مرهفة أيضاً، بحاجة لمن يؤمن بها حتى تبقى وتواصل من دون أن تخونها التقنيات الالكترونية، وهذا ما كان عليه أحمد، هو الذي عاد إلى دمشق بدل أن يغادرها وقد فارقها من استطاع إلى ذلك سبيلا، وهذا أيضاً فعل مغاير يشبه أوكسجين كثيراً.


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.