“نزهة بحزام ناسف” .. “ليغو “العراق وأشلاؤه
العدد 193 | 20 حزيران 2016
زياد عبدالله


يدعونا كتاب الشاعر العراقي كاظم خنجر “نزهة بحزام ناسف” (دار مخطوطات – هولندا 2016 ) إلى نزهة شعرية لها أن تجرد القسوة من قسوتها إن هي تبدّت للقارئ وراح ينعت الكتاب بها، ففي هذه النزهة أنت عرضة لأن تتطاير أشلاء وأنت تنتقل من جملة إلى أخرى ومن نص إلى آخر، وانفجار هذا الحزام متوقع في أية لحظة والموت عبثي كما هي عبثية الحروب، فيما له أن يكون فعل محاكاة لما يقدّمه خنجر في كتابه وهو ينقب في ما تخلفه السيارات المفخخة والبنادق والسكاكين وجنازير الدبابات على خريطة الجسد والروح والوطن، إنها مشاهدات من يدور “مثل برتقالة على سكينة الأمل” وهو يجمع عظام أخيه القليلة في الكيس ويجلسه على مقعد بجانبه في الباص.

إنها نزهة خطرة، إنها كتابة من يقول “عندما تكون الحي الوحيد بين الجثث، فأنت كالجثة بين الأحياء” كتابة متأسسة على شعرية الفداحة، ودفعنا لمعاينة ما نشيح بوجوهنا عنه، على شيء من توثيقه شعرياً وفي حفاظ على التباسه رغم كل ما يشوش على ذلك من سرعة الموت العراقي وشراهته وتنويعاته بما يدفع لفعل وحيد ربما ألا وهو النجاة منه، وما نجاة خنجر إلا نصوصاً شعرية “نقيس نبتة الموت على الجثث المتروكة فوق الأسفلت/ ببقعة الدهن السائح تحتها/ إلّا أننا لا يمكننا ذلك مع الجثث المتروكة على التراب”.

نصوص “نزهة بحزام ناسف” تضج بحياة القتلى والضحايا في محاولة يائسة لإحيائهم ولو شعرياً بكل ما يتيحه شحن العبارة الشعرية بالتقاطات ذكية “نشروا صورة جثته  ﻋﻠﻰ ﺍلـ”ﻓﻴﺴﺒﻭﻙ”، أخي الأصغر، وبعدما عجزنا عن العثور عليها، ﻗﻤﻨﺎ بطباعة الصورة، تغسيلها، تكفينها، دفنها في مقبرة العائلة”.

يلعب كاظم خنجر في كتابه  لعبة “ليغو” مهلكة تتبدل مكعباتها وهي على الأرجح من أشلاء وبقايا بشر ما عاد بالإمكان تبين ملامحهم وهو يسأل القتلة أن يمنحوه رأساً يعود به إلى البيت وكل ذلك في مقتلة “لا ندري ما هي الجثث التي تعود إليكم، والجثث التي تعود إليهم، ومن ثم لا رؤوس تحدد ذلك”.  كما أن هذا “الليغو” الشعري إن تعلق بالعراق فإنه يتحرى كل ما يعيق التصاق مكعب بآخر “نحن العراقيين/ يومياً على الفطور تضع أمهاتنا لنا الطائفية في الصحون، نأكل منها حتى نبلع أفواهنا.”

لا يعنى كاظم خنجر كثيراً بالصياغات ولا يشتغل على اللغة بل يطوعها ليكون المضمون هو الرهان الأكبر، فالتكثيف ليس لغوياً بل مشهدياً، وللكتاب بنية متكاملة، إذ ليس فيه ما يشي بأنه تجميع لنصوص بل هي نصوص متوالية مكتوبة بقصد أن يتغمدها غلاف تندرج فيه تحت عنوان واحد، وهو  كتاب تأسيسي على صعيد مقاربة جيل جديد ومغاير للجحيم العراقي، إنه الرصد الشعري الذي يصارع الجحيم بصدق ومن دون ادعاء، رصد معني فقط بجحيميته واجتراح كل ما يلتقط شذرات هذا الجحيم وتجلياته اللعينة، من دون أن تستوقفه مواقف دونكشوتية أو مقولات جاهزة لها أن تكون الشغل الشاغل لأجيال سابقة، وبالتأكيد من دون بلاغات لغوية إلا بلاغة ما يمليه هذا الجحيم المترامي.

اسم الكتاب

نزهة بحزام ناسف

اسم الكاتب

كاظم خنجر

عدد الصفحات

82

الناشر

دار مخطوطات – 2016


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.