كيف يتطور السيناريو 2-3
العدد 164 | 31 كانون الأول 2014
بيتر هانت/ ترجمة وتقديم: قيس الزبيدي


 يواصل المخرج والناقد قيس الزبيدي تقديم كتاب “السيناريو: درامية فيلمية عملية” لمؤلفه بيتر هانت، ويمكن الرجوع إلى العدد 163 للتعرف على ما حملته الحلقة الأولى من هذا التقديم، ولكم أن تترقبوا الحلقة الأخيرة من التقديم لهذا الكتاب في العدد المقبل

 

*جسد القصة أو الحبكة

يستغرق جمع الصور بضعة أيام وربما عدة أسابيع. وفي لحظة نتعرف على «جسد» القصة، على حدثها الرئيسي، على حبكتها الأولية. 

وينبغي الآن معرفة الجواب على أربعة أسئلة جوهرية: 

1-من هو البطل؟ ما هدفه؟ 

2-من يعارضه؟ 

3-ما هو الصراع المركزي في القصة؟ 

نبدأ في التعاطف الوجداني مع البطل ونتعرف على جوانب ضعفه وقوته، أحلامه ومخاوفه. ونتعرف على الشخصيات الأخرى (الثانوية) ودورها في القصة. ويتم كل شيء في البداية بتلمس حذر وأولي، ولا يجوز لنا أن نتوقع فوراً تتابع الحدث أو أن ننحاز إلى بعض الشخصيات. فموقف كهذا يعقد من التحولات الضرورية القادمة ويجعل حدوثها غير ممكن. 

تأخذ الحبكة الآن بنيتها الأولى – بداية ونهاية ووسط. وإذا ما بدا مسار الحبكة جليّاً، نعبّر عنها بإيجاز، في جمل قليلة مثلاً، ولنعود إلى فيلمنا الغرائبي: 

رجل، يتم التلاعب بوعيه، يتورط كعميل سري بين قوتين، تناضل كل منهما، من أجل الهيمنة على الكوكب «مارس». ويقرر الرجل الانحياز إلى موقع القوة الثورية التي تناضل ضد قوة الدكتاتور، الذي يهيمن على الكوكب، وفي النهاية ينتصر الرجل على الديكتاتور. 

عندنا هنا «العظمة» (الهيمنة على الكوكب) والكلبان (العميل السري والديكتاتور) وعندنا نتيجة لذلك، الصراع المركزي، الذي سيتضح ويتغير ويبتعد ويقترب من مسار الصراع. ومن هذا كله نبدأ في التعرف خطوة بعد خطوة على سؤال فكرتنا المحوري. 

السؤال المحوري للفيلم 

يتوجه السؤال المحوري إلى طبيعة الأمر. وفي مثالنا يتعلق الأمر بأكثر من الصراع على الكوكب، إذ أن وراء الصراع يقف سؤال فلسفي. فالتلاعب في وعي العميل السري يجعله غير عارف بنفسه وبمن يكون هو في الواقع. فالأمر إذن يتعلق بالسؤال التالي: هل يمكنني أن أعرف، في نهاية المطاف، من أكون؟ إن السؤال المحوري يرجعنا بدوره إلى روح الفيلم أو إلى موضوعه. 

 

*روح القصة أو الموضوع 

الموضوع يصف الصراع العقلي، الذي يسعى البطل لحله. وكما تستند الحبكة على الصراع المادي، يجب إيجاد موقفين متضادين، على الأقل، لا يمكن المصالحة بينهما. إن الموضوع هو مركز الجذب في الفيلم، وإذا ما وُجِد الموضوع، فإن القصة تأخذ شكلها الواضح. عندها سيعرف المؤلف عن «ماذا» عليه أن يكتب وعن أي شيء عليه أن يبتعد، فكل ما لا يخص الموضوع، لا يخص القصة. وما يخص الموضوع يجب معالجته، بهذا الشكل أو ذاك، وفي كل مشهد. ويجب أن تسلط الأضواء دائماً حول الموضوع، ومن كل جانب. فالدراما تعطينا إمكانية بحث الموضوع من جوانبه المختلفة ويتم ذلك عبر الشخصيات العديدة، التي يتضح موقفها من الموضوع بالتدريج، والموضوع يعطي الحبكة تماسكها المنطقي. فمهمة الحبكة دفع القصة إلى الأمام وإبقاء المتفرج في حالة تشوق وإثارة. 

يبقى أن نجد الجملة الموجزة التي تعبر عن الموضوع، ولنعود إلى مثالنا السابق: 

يكسر رجل طوق برنامج، يخضع له وعيه، أثناء عملية تلاعب صناعية، ويكافح لكي يهتدي إلى نفسه ويعرف إن كان هو عميلاً سرياً أم ثورياً أم شخصية من نتاج خياله الذاتي. 

 

*المغزى 

إن مغزى الفيلم هو الجواب على السؤال المحوري. ويجب أن يتضح المغزى للمؤلف قبل أن يبدأ بصياغة بنية حكايته، كما عليه أن يقوم بصياغة المغزى في جملة واحدة، ليعرف وفق أي موقف فكري ينتهي فيلمه. ويعاد طرح الموضوع خلال مسار الفيلم دائماً. وتتجدد الإجابة عليه كل مرة. أما المغزى فيجابه بالتناوب مع مغزى مضاد. وفي نهاية الفيلم يؤكد للمرة الأخيرة على الموضوع، والجواب الذي يعطى عندئذٍ، يشكل مغزى الفيلم، والمدلول المنطقي نتيجة الصراع في القصة. ومما يعين على صياغة مغزى الفيلم الجيد، الاعتماد على ظهور المغزى بوضوح عبر أفعال وأحداث القصة. 

 

*قلب القصة أو الصراع العاطفي 

للقصة الآن جسم وعقل، لكن ما ينقصها أمر حاسم، آلا وهو القلب. فقط القصة التي تملك قلباً تستطيع أن تحرك العواطف. ومتى ما تمت مخاطبة العواطف، يكون تأثير المغزى أقوى مما لو قمنا بفهمه فقط. 

كل منا يعرف بتجربته، بأننا نخضع لوطأة متغيرات عاطفية. والبطل الذي لا يمر بمثل هذه العملية، لا يمكن له أن يشابهنا. ومن ليس يشابهنا أو يماثلنا لا نفتح له قلوبنا. ومن يكتب قصة، قادرة على تحريك قلب المتفرج، عليه أن يترك بطله يمر بتجارب عاطفية «أصيلة». ويعني ذلك، أن ما يمكن للبطل أن يعانيه، لابد وأن يكون المؤلف قد جربه أو عرفه في حياته، وعليه أن يحس به أثناء الكتابة. 

وبإمكان المؤلف أن يوجز صياغة الصراع العاطفي بجملة أو جملتين، لكي تتوضح صورته أمامه. 

وتتضح أثناء العمل على بنية القصة، باستمرار مستويات الصراع الثلاث (مادية، عقلية، عاطفية) فالقصة ليست سوى وسيط، تتأسس بمعونته مستويات الصراع الثلاث. وكل الأفعال والأحداث، التي لا ترتبط بمستويات الصراع، لا يمكنها أن ترتبط بالقصة.