رسالة إلى الملك..عن وطن لا شفاء منه
العدد 178 | 14 أيلول 2015
زياد عبدالله


لا يفارق المخرج النرويجي الكردي هشام زمان في جديده “رسالة إلى الملك”  النرويج، ولعل البدء من هذه الحقيقة، لا يأتي إلا لكون سيار في أولى تجارب زمان الروائية الطويلة “قبل سقوط الثلج” 2013 شخصية متنقلة من مكان إلى آخر، مغادراً قريته  في كردستان العراق، ليلاحق اخته في تركيا ومن ثم ألمانيا، وليشكّل هذا الفيلم مفتتحاً مبشراً بمخرج يعدنا بالكثير، وها هو يعيد تأكيد ذلك مجددأً في “رسالة إلى الملك”.

يصوغ هشام زمان في “رسالة إلى الملك” دراما قوية ودامغة، وعلى مستويات متعددة لها أن تضيء على عوالم اللاجئين، ولكلٍّ حكايته التي لها أن تتشكل في الفيلم في استكمال لما تركه اللاجئ قسراً في بلده الأصلي، أو ما يصدمه وهو في بلد اللجوء بينما هذا الأخير يحيك له مصيره، والذي لن يكون ببعيد عن الموطن الأصلي، فشخصيات الفيلم في النهاية مصاغة وفق ما كانته في موطنها، وكلٌّ خلّف وراءه نصف حياته هناك، وربما كل حياته كما هو الحال مع  العم ميرزا الذي يبلغ من العمر 83 عاماً، حياة لا تخلو من المآسي فتكللت باللجوء هرباً من جحيم ما شهدته كردستان العراق في مراحل تاريخية متعددة.

يجد  فيلم”رسالة إلى الملك” منطلقه في مركز للمهاجرين، وليكون هذا المركز بؤرة درمية لنا أن نصفها بالتأسيسية لما سنتابعه من أحداث ومصائر، فالفيلم سيعرّفنا على الملامح الرئيسة لكل شخصية من شخصيات الفيلم الرئيسة، ولتكون الرحلة التي ستأخذهم من هذا المركز إلى العاصمة النرويجية أوسلو  المساحة التي ستترك فيها كل شخصية لمواجهة مصيرها والتعرف على حكايتها وتكوينها، ولهذه الشخوص أن يعودوا إلى الحافلة التي ستعيدهم إلى مركز اللاجئين، ومنهم لا يعود.

يأتي عنوان الفيلم من الرسالة التي يكتبها العم ميرزا إلى ملك النرويج، والتي يشرح فيها حياته وما أوصله إلى النرويج، هو الأب لعشرة أولاد ، والعالق في هذا البلد البارد من دون جواز سفر لأكثر من عشر سنوات، ولتكون مهمة إيصاله هذه الرسالة هي المهمة الرئيسة التي يرغب بالقيام بها، وهو يتوجه سيراً على الأقدام إلى قصر الملك. 

وهكذا فإن لكل شخصية ما تنوي القيام به، فالأم وطفلتها الصغيرة التي تتركها مع الفتى زيرك، تكون في صدد الانتقام من الواشي بزوجها الذي قتلته الشرطة التركية، بما يوحي من خلال حوارتها بأنهما أي هي وزوجها كانا في “حزب العمال الكردستاني”، بينما يمضي الفتى زيرك لملاقاة فتاة نرويجية وقد صبغ شعره بالأشقر وليكتشف أنها بدينة بشكل مفرط، أما حسن “التشامبيان” فيمضي إلى ناد للكاراتيه والفنون القتالية، عله يحظى بفرصة العمل مدرباً، إلا أن ما يهمين على أدائه البارع هو العنف، بينما يقف الشاب “أكبر” على حافة الانتحار من اليأس وهو يدور على المحال التي عمل فيها ليحصّل ما يدينون له من مال، وحين يتعثر في تحصيل راتبه من خبّاز فإن يستعين بحسن، وصولاً إلى العاشق الذي لن تكون عشيقته إلا امرأة عجوز في خريف العمر.

تلك القصص والمصائر ستكون مصوغة بحرفية عالية، مكثفة ومشدودة لها أن تضيء على كل جوانب الشخصية وتاريخها عبر الفعل، وهي تواجه ظروفها وما يعيق تحقيق ما تسعى إلى تحقيقه، ولتأتي النهايات محكمة، ولنكون أمام فيلم مميز جدا، يقف إلى جانب أفلام عالمية هامة تناولت حياة اللاجئ في بلدان اللجوء الأوروبية، مع كونه أيضاً يروي حكاية كردستان عبر شخصياته ومصائرها، المصائر التي تأتي أولاً من الموطن وما شهده فيه.


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.