رؤوس مقطوعة
العدد 176 | 22 آب 2015
زياد عبدالله


حُكم على رجلٍ بقطع رأسه لأنه كافر وزنديق وما إلى هنالك من توصيفات تصير إلى اتهامات، وقد كان هذا الرجل تقياً مواظباً على الصلاة والصيام ..إلخ وهو مؤمن تماماً أن النص القرآني صالح لكل زمان ومكان. وعند تنفيذ الحكم يصيبه الهول ويمضي باستغفار ربه والدعاء حتى يثبت ويتقبله الله مع الشهداء والصديقين، وحين يمضي إلى ترديد بعض الآيات لا يتذكر إلا هذه الآية من “سورة محمد”: “فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها”..وما من أحد يفديه.

يستحضر هذا المشهد الذي ينتمي للواقع أكثر منه للخيال ما يقوله ستيفان تروفيموفتش في رواية ديستوفسكي “الشياطين”: “رغم أن رؤوسنا هي نفسها التي تمنعنا من فهم ما يجري، فإننا إذا قطعت رؤوسنا لن نزداد فهمنا”، المشهد السابق تجسيد فج لهذه الفكرة الديستوفسكية، وعلى شيء يجعل الاستعارة واقعاً أي أن فعل قطع الرأس وقع بحق، وذلك وفق ما نعيشه في أيامنا هذه. وتبقى الرؤوس تمنعنا من فهم ما يجري، الرؤوس المحشية بكل ما جعل “قطع الرؤوس” مشروعاً ومصادقاً عليه، حتى عند أشد المستهجنين له وهم يجدون في الوقت نفسه ما هو صالح لكل مكان وزمان.

على كل ما زالت الفرجة متاحة وتصوير هكذا مشاهد وهي لم تتوقف يوماً، ولعل هذه الفرجة لم تكن متاحة يوماً كما هي اليوم، لا بل يمكنك تثوير كل ما تشاهده وأنت محتفظ بمسافات آمنة وشاسعة، إذ إنه”عاقل هو من يكتفي بالفرجة على العالم” كما يقول ريكاردو ريس، ولعله “محظوظ”، وله في الوقت نفسه أن يكون “سافلاً” يتحلى برفاهية الفرجة ويدّعي غير ذلك. 


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.