حرية الاستمناء
العدد 148 | 24 آذار 2014
زياد عبدالله


لم تظهر على الشاشة التحريرية ورادارها أي أثر لأعضاء أخرى نادت بالعدالة سوى الحنجرة، وكانت أحياناً تظهر بوادر احمرار على هذه الشاشة يسارع من لهم الغلبة إلى التشويش عليها، وعلى لون الخجل الأحمر واستبداله على سبيل التمويه بالدماء، كون هذه الأخيرة متوفرة بكثرة، وكم كانوا فرحين لأنهم نجحوا في إفشال المخطط اللعين في استبدال الحنجرة بأعضاء أخرى قد تكون جنسية والعياذ بالله.

كان هذا خوفاً مشروعاً ومباركاً، وقد تركوا في عبقرية قلّ نظيرها فسحة للجموع لأن يمارسوا الاستمناء الحر، ففي ذلك أيضاً اتساق قلّ نظيره مع العدالة طالما أن هكذا فعل يحدث في الخفاء ومن محاسن اللغة العربية أن أطلقت عليه اسم “العادة السرية”، وفي تأويل استدعته الضرورات التي تبيح المحظورات أصبحت حالات الهياج الجنسي الجماعية أمراً مشرعناً أيضاً، وإن أفضى ذلك إلى حالة اغتصاب جماعي، فهنا ما من فاعل بعينه بل قطيع كامل، قطيع يطالب بالعدالة والديمقراطية، ويتعرض لأشنع حملة على حريته وعدالته ، حملة تقودها المرأة التي هي بلا أدنى شك مصنع الشرور في هذا الكون، وهكذا فإن العائق الوحيد أمام أن ينجز القطيع خلاصه يكمن في المرأة وخاصة تلك المتبرجة والتي تظهر مفاتنها، مع أن القطيع المتهيج لم يوفر النساء المحشورات في كيس العفة الأسود، ولا من كن يخفن من إظهار أظافرهن.

وفي سياق الأفكار التحريرية التي تحفل بها الجامعة، فقد عانى الطلاب من وطأة جمال امرأة، وهكذا أصبح الفيروس الأنثوي متسرباً أيضاً إلى أرقى منابر الفكر ألا وهو الجامعة، ولم يجد الطلبة محيداً عن تلبية نداء العقل والتصدي لحملات الغواية الشعواء والاستجابة إلى حملات التحرش الجنسي، لا بل إن رئيس الجامعة أدلى بدلوه بخصوص مؤامرة الأنثى التي أظهرت مفاتنها، وقد طالب أن تخضع لاختبار في الإعراب، وإن كانت تستطيع التمييز بين الجملة الإسمية والفعلية، كما أن مهرجاً تلفزيونياً تلقف هذا الاختبار وطالب به وهو ينصب الفاعل ويرفع المفعول به.

من الفاعل ومن هو المفعول به؟ سؤال من أصعب الأسئلة الوجودية التي واجهتها الأمة التليدة، وخاصة إن جرى تأنيث المفعول به، فهذا كفيل بشحذ الهمم وفتح طاقات البلاغة على مصراعيها، فما من شيء يتهددنا في اللحظات المصيرية التي لم تفارقنا يوماً إلا ما يؤنث، فمن الواجب علينا والمحتم أن نقف يداً واحدة خلف إرادة القطيع في بناء دولة الجواري ..فإلى الأمام. 


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.