بانورج والمتثائب
العدد 170 | 02 نيسان 2015
زياد عبدالله


أتثاءب كثيراً ، الساعة تشير إلى أن الوقت لا يمر، لست في وارد تشخيص هذا التثاؤب، ولا أنا مصاب بالملل أو النعاس، فأنا على كل الأحوال كثير التثاؤب، “التثاؤب من الشيطان.. العطاس من الملائكة” كما المثل الشعبي.

لقد مضت بضعة أيام على تعقبي بانورج* وهو يمضي في جوف بانتاغرويل، لقد عثر على صياد في جوفه رابضاً بانتظار الحمام الذي يطير إلى حنجرته كلما تثاءب. وقبله وقع على من يزرع الملفوف ويبيعه في البلدة  المتواجدة في جوف بانتاغرويل. سيشهد بانورج على الكثير في جوف بانتاغرويل، إذ يكفي أن يتسلق إحدى أسنانه حتى يرى ملاعب تنس ومروجاً واسعة وبيوتاً على الطراز الإيطالي، لكن بانورج سيتعرض للسرقة قبل أن يصل شفتيه.

لا بد أن أحداً قد قُطِع رأسه للتو، أنا أعيش على وقع السيوف البتّارة في شرقنا التليد، لقد منّ الله علي بنعمة أن أكون شاهداً على ذلك، رؤوس تعاقب جراء تثاؤبها الوقح، “التثاؤب من الشيطان” يسقط الشيطان الذي يفرّق بين الشفتين ويفتح الفم كما الأشداق، ليتعطر الفم بـ “الله أكبر” بعد انفصال رأس عن جسد.

لقد استحضرت ملاكاً للتو، عطست، نعم عطست بفم مزموم وأنف ورع، وهذا أيضاً حسب بانورج من علائم العودة إلى الحياة حين أعاد رأس ابيستمون المقطوع، لكنه حين ضرط ضرطة كبيرة قال بانورج “لقد عاد إلى الحياة بالتأكيد”.

لا حاجة لنا إلا للنبيذ الأبيض لتنظيف الرأس والرقبة، وبودرة الصبّار وإبرة وخيط لصنع قطبتين أو ثلاث تثبّت الرأس فوق الجسد.

نحتاج بانورج بقوة في هذه الأيام العصيبة، لابد له أن يفتتح عيادات في سورية والعراق على الأقل، وعليه تدريب كثر وتهريب كميات كبيرة من النبيذ الأبيض وتلك البودرة وغيرها، ورشوة حواجز داعش والنصرة وباقي الأطياف الثورية الإسلامية المتوحشة، إننا بحاجة ماسة لذلك، فكل رؤوسنا قد أينعت وقد حان قطافها.

لست في وارد الخوف طالما صديقي بانورج معي، مسيح الرؤوس المقطوعة، معيدها فوق الكتفين، ،ملك الحوارات الصامتة، متقن الإشارات والإيماءات، لئلا يقاطعها تصفيق تافه، إله الضحك وهو يقول “لدي من المرح ما يتفوق على ملك!” وبانتاغرويل يخبره بأنه سيشنق يوماً، فيجيبه بأنه هو أيضاً – أي بانتاغرويل – سيدفن يوماً، متسائلاً “أيهما أشرف الهواء أم التراب؟ ألم يشنق المسيح في الهواء؟”

مع نهاية كل رحلة يجب اقتراف شيء يشي بنهايتها.. لقد تبرز بارنوج في حلق بانتاغرويل أثناء رحلته الطويلة في أحشائه، وهذا جيد لإنهاء كتاب بانتاغرويل والانتقال إلى والده غارغنتوا في مسير طويل من الفكاهة يمتد لأكثر من ألف صفحة لاستكمال كتب رابليه الخمسة.

__________________________

* الشخصية الشهيرة في رواية فرانسوا رابليه (1494 – 1553) “غارغنتوا وبانتاغرويل”


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.