البارجة بوتيمكين | قيس الزبيدي

العدد 198 | 5 أيلول 2016

طالما أن صور هذا العدد هي رسوم للمخرج سيرجي ايزنشتين فما أحلى الحديث عن فيلمه المفصلي في تاريخ السينما "البارجة بوتمكين" ومن يفعل ذلك بأحسن من قيس الزبيدي. *أوكسجين

 

في عام 1958 - في بروكسل - أعلنت لجنة تحكيم من مؤرخي السينما في 62 دولة أن فيلم « البارجة بوتيمكين» هو «أجمل فيلم في العالم». وقبل ذلك بعشر سنوات  - عام 1948 - اتفقت آراء النقاد العالميين كذلك على وضع فيلم «البارجة بوتيمكين» على رأس قائمة أحسن عشرة أفلام أنتجتها السينما في العالم حتى ذلك التاريخ.

والفيلم يدور حول حادث واحد وقع سنة 1905 وهو تمرد بحارة «البارجة بوتيمكين» واشتعال الثورة في الميناء - وقد جاء هذا الحادث في صفحة واحدة من نص السيناريو المكتوب. وتم تصوير الفيلم على هذه الصورة في ستة أسابيع - من نهاية سبتمبر حتى بداية نوفمبر - وقد ارتجل أيزيشتين أغلب مشاهده أثناء التصوير .. وانتهى مونتاج الفيلم في صباح يوم عرضه في 21 ديسمبر 1925, في ليلة من ليالي مسرح البولشوي بموسكو. واستقبله الجمهور بحماس بالغ. لم يلبث أن امتد إلى جمهور برلين ولندن وباريس وكل العواصم حتى القاهرة. حيث عرض (بعد إنتاجه بنحو أربعين سنة).

ابتكر إيزنشتين في هذا الفيلم الفرق بين زمن السرد الفني  وزمن السرد الواقعي  وطور توسيع وتطويل الزمن الفني ووظيفة اللقطة الكبيرة في السرد  كما طور اساليب ما يعرف المونتاج الجدلي  في السرد الذي كان يستند في افلامه الى ما يسمى صدام الصور والأفكار إضافة الى محاولته الناجحة في فيلمه الكلاسيكي العظيم هذا في خلق بنية سرد عضوية لم يجدها في فيلم غرفث  "التعصب". ويعد "بوتيومكين" أيضا اهم إنجاز فيلمي  في تاريخ السينما وقد ولفه إيزنشتين من حوالي 1346 لقطة رغم ان طوله كان 80 دقيقة ولم تتجاوز بعض لقطاته سوى كادرات "فريمات: قليلة. 

وفي الدراسة الطويلة التي كتبها ايزنشتين في عام 1942 "ديكنز وغرفث ونحن" تطرق إلى الفرق الاساس في استخدام اللقطة الكبيرة عند غرفث وفي السينما الامريكية وكيف اختلف استخدامها في السينما السوفيتية-الديدان في اللحم الفاسد- وتميزت وظيفتها بالدرجة الاولى ان لا تُرى وتَعرِض انما تَدل وتًبرِز، ولهذا تسمح بخلق نوعية جديدة للكل عن طريق التقابل. أما اللقطة الكبيرة عند غرفث فغالبا ما تكون معزولة وتنحصر وظيفتها كتفصيل للفهم. أما عندنا فتأتي وظيفتها من ربط نوعي، ينتج اساسا من عملية التقابل. وكما سبق لي ان نوَّهت وكتبت فان فن السينما فن يقوم بالدرجة الاولى على تقابل اللقطات وليس على تجزئتها حيث يعبر التقابل بين اللقطات عن مفاهيم جديدة كما يعبر تقابل الهيروغليفيات مثلا: علامة كلب وفم تدل على النباح. علامة طفل وفم تدل على الصراخ. علامة عصفور ومنقار تدل على الغناء. وعلامة قلب وسكين تدل على الغم الخ...

فإذا ما كانت اللقطة (أ) واللقطة (ب) تشكلان فكرة جديدة تماماً هي(ت)،فإن هذا التقابل، ليس مجرد إضافة فكرة إلى أخرى، إنما هو تفجير لهما يؤدي إلى فكرة جديدة تماماً، لان تقابل لقطتين ليس حاصل جمعهما بقدر ما هو ذوبانهما في وحدة معنى جديد.

ويذكر إيزنشتين مثاله الشهير: صورة امرأة متشحة بالسواد تقابل صورة قبر تدل على تصور جديد: أرملة، أي تعميم بصري جديد وصورة ذهنية عامة جديدة.

مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن"، و"فلسطين سجل شعب"، و"شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب"، و"وطن الأسلاك الشائكة". وقدّم روائياً "الزيارة" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و"اليازرلي" 1974 فيلم روائي ت...