نيوتن وجدها وأنا ضيعتها | عبود سعيد

العدد 149 | 7 نيسان 2014

أتخيل حياتي جسداً على حافة النهر،

 نصفه في الماء تنهشه التماسيح والنصف الآخر على اليابسة يمسك عوداً ويرسم تفاحة، وعندما نضجت علّقها على الشجرة،

 للمصادفة أن نيوتن كان يتمشى تحت تلك الشجرة 

فسقطت عليه التفاحة فصرخ: وجدتها..وجدتها.. 

وجدها نيوتن وأنا ذهبت لأعمل في مهنة الحدادة، 

ومابين المطرقة والسندان تعرفت على موسيقا الجاز، موسيقا خالية من كل أنواع الرجولة، لهذا كنت أستمع إليها سراً، موسيقا لم تكن تتناسب مع شارب أخي المفتول

 وعندما علم بهذا الأمر الخطير، طردني من العمل،وكانت العقوبة أن أعود إلى المدرسة. ارتديت صدريتي متأثراً بموسيقا الجاز، أجر خلفي أذيال الهزيمة. وفي أحد الأيام كان هنالك معرض للطلاب وكان مشروع المعرض أن يصنع كل شخص غيمة صغيرة بطريقته وبالأدوات التي يراها مناسبة و أن هنالك جائزة براءة اختراع لأفضل غيمة.. وبدأ الطلاب يفكرون بطرق صناعة الغيوم، أحدهم صنعها من الورق، وآخر صنعها من أكياس النايلون، وشخص ذكي صنع غيمة من فقعات الصابون، صنعوها من إطارات السيارت، صنعوها من البوظة، أحدهم كان فقيراً جداً فراح يلملم أعقاب السجائر ويدخنها وصنع غيمة من دخان أعقاب سجائر الآخرين.

 أمي صنعت غيمة من العجّة، جاء السندباد وقص بساطه على شكل غيمة، أحدهم فكر بأن يصعد إلى السماء ويقص من الغيوم غيمة صغيرة، فانشغل بتصنيع السلالم، وآخر حفر حفرة بمساحة بحيرة وانتظر البخار ليصنع له غيمة، فاكتشف أنه بحاجة إلى بحر، فحفر بحراً كبيراً من دون ماء, ثم جلب البشرية كلها لتتبول في هذا البحر، فصنعوا غيمة ماطرة،صنعوا الغيوم من إليات مؤخرات النساء و من أثدائهن.

شخص يدعى بوكيمون، عيناه تشبهان عينا بان كي مون, كان يشعر بالقلق فذهب إلى مخيمات اللاجئين وصنع غيمة من بخار أفواههم. صنعوا الشوكولاه على شكل غيمة، سكبوا الفودكا على شكل غيمة، لبسوا لباساً موحداً طبع عليه غيمة، طبعوا الغيمة على حقائب المدارس وعلى أغلفة الدفاتر المدرسية بجانب صورة الدكتاتور. طبعوها على الملابس الداخلية، على القمصان، على البنطلونات صارت الغيمة في بنطال، صنعوا السيارات على شكل غيمة، صنعوا طائرات حربية على شكل غيمة، وصارت الناس تظن كل غيمة أنها طائرة حربية و ستقصف، ولم يستطع أحد أن يميز بين قطرة المطر والرصاصة. عندما تمطر أتخيل الله سماءً كاملةً تقصف البشر كمتظاهرين سلميين يريدون إسقاطه. تحولت الأرض إلى غربال من وابل الرصاص, لم يعد المطر مجدياً، كان يسقط نحو الفراغ وكأنه يصفع الله في وجهه كهجمة مرتدة، وكأن وجه الله بالمقلوب وكأن وجهه تحت الإنسان المسحوق بأثر الرصاص. 

لم يتركوا شيئاً إلا وجعلوه على شكل غيمة،صارت الحياة غيمة داخل غيمة داخل غيمة... غيوم تمطر على بعضها البعض، إلى أن جئت أنا وفكرت أن أصنع غيمة من الحديد فصنعت غيمة عملاقة لكنني نسيت صديقي نيوتن وجاذبيته الأرضية فسقطت أنا والغيمة.

 إذا كان نيوتن قد "وجدها"  فأنا ضيعتها. حياتي تشبه جسدي على حافة النهر وتشبه موسيقا الجاز.. صراع ما بين الفزع والأضحوكة.

_______________________________

شاعر من سورية

 

الصورة من فيلم بانكسي "الخروج من متجر الهدايا" الذي يمكن القراءة عنه في زاوية "كتاب".

*****

خاص بأوكسجين